الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:ديات منافع الأعضاء

(مسألة 344): إذا جنى على شخص بما أوجب نقصان عقله لم تثبت الدية فالمرجع فيه الحكومة، وكذلك فيما أوجب جنوناً أدوارياً (1) [1]

(مسألة 345): لو شجّ شخصاً شجّة فذهب بها عقله، فإن كانت الشجّة وذهاب العقل بضربة واحدة تداخلت ديتاهما، وإن كانا بضربتين فجنى بكلّ ضربة جناية لم تتداخلا (2) [2]

الثاني: السمع وفي ذهابه كلّه دية كاملة (3)، و في ذهاب سمع إحدى الأُذنين كلّه نصف الدية (4)[3]

    1. ذكرنا بأن السيد الماتن تعرض الى فرضين: الاول ما اذا ادت الجناية الى نقصان العقل في جميع الاوقات والفرض الثاني ما اذا ادت الجناية الى ذهاب العقل بتمامه في بعض الاوقات والتزم في كلا الفرضين بالحكومة وقلنا بأنه نقل عن الشيخ الطوسي في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة الخلاف في المسألة، ولكن قلنا بأن خلافهما في فرض الجنون الادواري فلم يلتزما بالحكومة وانما ذهبا الى ان هذا يقدر بالزمان واما في الفرض الاول اي نقصان العقل في تمام الاوقات فيظهر من الشيخ انه يوافق المشهور وان هذا يرجع فيه الى الحكومة

ويستدل لما ذهب اليه السيد الماتن تبعاً للمشهور من الحكومة في كلا الفرضين بانه لم يقم الدليل على مقدر فيهما فيرجع فيهما الى الحكومة وقد يستشكل في ذلك ويقال بان الادلة السابقة التي استدللنا بها على أن في ذهاب العقل الدية ومنها صحيحة ابي عبيدة المتقدمة ورواية ابراهيم بن عمر تشمل محل الكلام اي تشمل الفرض الاول والفرض الثاني فان فيها مقرر شرعاً لأنه يصدق ذهاب العقل في كلا الفرضين

والجواب ان هذه الادلة تثبت الدية على ذهاب العقل ومقتضى اطلاقها هو ان المراد ذهاب العقل رأساً في جميع الاوقات لا نقصانه في جميع الاوقات ولا ذهابه رأساً في بعض الاوقات خصوصاً صحيحة ابي عبيدة ولذا رجع المشهور في الفرضين الى الحكومة

والقرينة هي أن صدق ذهاب العقل في الفرض الاول غير واضح فانه افترض نقصان عقله، والروايات ظاهرة في ذهاب العقل لا نقصان العقل كما ان مقتضى اطلاقها هو ذهاب العقل في جميع الاوقات

ومن جهة اخرى انه ورد في صحيحة ابي عبيدة (ان كان المضروب لا يعقل منها الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له) وهذا لا يناسب نقصان العقل فإن نقصان العقل مهما تصورناه يكون الانسان معه يعقل ما يقول وما يقال له وإن كان عقله ناقصاً، فالظاهر في الرواية الجنون التام وايضاً فالمذكور في الرواية مسألة الانتظار سنة فان لم يرجع اليه عقله اغرم ضاربه الدية، وهذا معناه ان الدية الكاملة موضوعها ذهاب العقل وعدم رجوعه في فترة سنة وهذا لا يناسب الادواري فان الادواري يجن في يوم ويفيق في آخر او في اسبوع او في فصل ويفيق في آخر، اما ان يبقى طوال السنة لا يرجع اليه عقله فهذا لا يناسب المجنون الادواري عادة فشمول النص للمجنون الادواري غير واضح

ومنه يظهر ان موضوع الادلة هو ذهاب العقل بتمامه في جميع الاوقات او ذهاب العقل وعدم عوده في مدة سنة وهذا الموضوع من الصعوبة جدا القول انه يشمل الموضوعين السابقين ومنه يظهر بان الصحيح ما ذهب اليه السيد الماتن تبعاً للمشهور من ثبوت الحكومة في كلا الفرضين

2- تقدم الكلام حول هذا الامر في مسألة 343 وقلنا بأن صحيحة ابي عبيدة تدل على التداخل إن كانت الجنايتان بضربة واحدة واما اذا كانت الجنايتان بضربتين فالرواية تدل على عدم التداخل، ولكن الصحيحة فيها قيود وهو ما اذا كانت الجنايتان مترتبتين بأن يكون ذهاب العقل مترتباً على الشجة، وقد استفدناه من العطف بالفاء في الصحيحة، وكون دية احداهما اغلظ من الاخرى، والا فالاصل هو عدم التداخل

وواضح من كلام السيد الماتن انه يفترض كلا الفرضين فالاول من العطف بالفاء والآخر واضح لأن دية العقل دية كاملة بينما دية الشجة اقل من ذلك

3- الظاهر انه لا خلاف فيه كما في مفتاح الكرامة (بلا خلاف كما في المبسوط ومراده بين المسلمين واجماع كما في التحرير وظاهر الغنية او صريحها) وبلا خلاف كما في الرياض

ويدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال في رجل ضرب رجلا في اذنه بعظم فادعى أنه لا يسمع ، قال : يترصد ويستغفل وينتظر به سنة ، فان سمع أو شهد عليه رجلان أنه يسمع ، وإلا حلفه وأعطاه الدية ، قيل : يا أمير المؤمنين فان عثر عليه بعد ذلك أنه يسمع؟ قال : إن كان الله رد عليه سمعه لم أر عليه شيئا))[4] وقلنا بان الدية عندما تذكر يراد بها الدية الكاملة

ومعتبرة يونس ، أنّه عرض على الرضا عليه‌السلام كتاب الديات ، وكان فيه : ((في ذهاب السمع كله ألف دينار))[5] وهي صريحة في انه في ذهاب السمع دية كاملة

وهكذا رواية إبراهيم بن عمر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه ، وبصره ، ولسانه ، وعقله وفرجه ، وانقطع جماعه وهو حيّ ، بست ديات)) [6]

وذكر بعض الفقهاء الاستدلال على ذلك بعموم ما ورد ((ان ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية)) بناء على شمول هذه النصوص لمثل العقل والسمع ولا تختص باعضاء الانسان المعروفة

4- الظاهر انها مسألة لا خلاف فيها الا من ابن حمزة بل يظهر من الفقهاء انهم ارسلوها ارسال المسلمات والدليل ان هذا هو مقتضى ما دل على ان في ذهاب السمع الدية كاملة فمقتضاها ان يكون في ذهاب السمع كله من احدى الاذنين نصف الدية

والتقسيط بهذا الشكل واضح عندما يكون الذاهب بالجناية والباقي متساويين في المقدار وفي الفائدة والظاهر ان محل الكلام من هذا القبيل، ففي حالة عدم التفاوت بين الباقي والذاهب هذا الدليل مقبول

اما اذا كان تفاوت بينهما فالتقسيط لا يكون واضحاً كما لو فرضنا في قطع احدى الخصيتين بناء على ما تدل عليه صحيحة ابن سنان من ان الخصية اليسرى يكون منها الولد ومعناه وجود تفاوت في الفائدة بينهما فلا يمكن تطبيق قاعدة التقسيط فاما ان نلتزم بما تدل عليه الصحيحة من ان اليسرى لها ثلثا الدية او نذهب الى الحكومة

وعلى كل حال يبدو ان ما ذكروه في محل الكلام صحيح من ان فيه نصف الدية لأن الذاهب والباقي لا يتفاوتان في الفائدة

نعم التفاوت البسيط الذي يكون متعارفاً الظاهر انه لا يمنع من التقسيط بالمناصفة بينهما ومن هنا التزم الفقهاء بهذا الحكم من دون فرق من ان تكون احدى الاذنين احد من الاخرى او لا

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص431.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص432.
[3] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص432.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص361، أبواب دیات المنافع، باب3، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص357، أبواب دیات المنافع، باب1، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص365، أبواب دیات المنافع، باب6، ح1، ط آل البيت.