الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/07/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات منافع الأعضاء

الفصل الثالث: دية الجناية على منافع الاعضاء، وهي كما يلي:

الاول: العقل، وفي ذهابه دية كاملة، و في ثبوت الدية فيما إذا رجع العقل أثناء السنة إشكال، بل لا يبعد عدم الثبوت[1] و عليه، فالمرجع فيه الحكومة وأمّا إذا تمّت السنة ولم يرجع استحقّ الدية وإن رجع بعد ذلك [2]

(مسألة 344): إذا جنى على شخص بما أوجب نقصان عقله لم تثبت الدية فالمرجع فيه الحكومة، وكذلك فيما أوجب جنوناً أدوارياً (4)

    1. ظاهر عبارة السيد الماتن التفصيل بين عود العقل خلال السنة فلا دية وبين عدم عوده في هذه المدة فتثبت الدية في العقل

وبينا كيفية الاستدلال على هذا التفصيل بصحيحة ابي عبيدة الحذاء وقلنا يوجد في قبالها رواية ابي حمزة الثمالي حيث قيل بانها معارضة للصحيحة (في رجل ضرب رأس رجل بعمود فسطاط فأمه حتى ذهب عقله ، قال : ((عليه الدية ، قلت : فانه عاش عشرة أيام أو أقل أو أكثر فرجع إليه عقله ، أله أن يأخذ الدية؟ قال : لا ، قد مضت الدية بما فيها )) [3]

وجعلها معارضة للصحيحة مبني على تفسيرها بعود الضمير في قوله (أله أن يأخذ الدية؟) الى الجاني الضارب ومعناه ان الدية تثبت مطلقاً، وقوله (مضت الدية) بمعنى استقرت وثبتت

ويلاحظ على المعارضة ان الرواية غير تامة سنداً مع احتمال عود الضمير الى المجني عليه فلا تكون معارضة لصحيحة ابي عبيدة فالسؤال عن استحقاق المجني عليه الدية ومعنى مضت الدية اي بطلت بعود العقل اليه خلال هذه الفترة فإن عوده خلال هذه الفترة يكشف عن عدم زواله اساساً وانما عرضت له حالة شبيهة بالاغماء، ويؤيد هذا الاحتمال ان الحديث في الرواية كله عن المجني عليه

ولكن يؤيد الاحتمال الاول ان المفروض في الرواية ان الجاني دفع الدية الى المجني عليه بقرينة قوله في ذيل الرواية ((قلت : فانه مات بعد شهرين أو ثلاثة ، قال أصحابه : نريد أن نقتل الرجل الضارب؟ قال : إن أرادوا أن يقتلوه يردوا الدية ما بينهم وبين سنة)) ويناسبه ان يعود الضمير الى الجاني

وعلى كل حال فالرواية لا تصلح لمعارضة صحيحة ابي عبيدة الحذاء من جهة ضعفها السندي على الاقل وحينئذ فالظاهر انه يتعين الالتزام بالتفصيل الذي تدل عليه الصحيحة بين عود العقل فلا دية وبين عدم عوده والظاهر انه لا مانع من العمل بهذا التفصيل عملاً بهذه الصحيحة وان لم ينقل القول بالتفصيل عن احد من الفقهاء وقلنا بأن عدم النقل لا يعني الاجماع على عدم التفصيل لأن هذه المسألة ليست محررة في كلمات جماعة من الفقهاء فمن لم يصرح بالتفصيل لا يعني انه يبني على عدم التفصيل اذ لا يمكن استكشاف عدم التفصيل من مسألة لم يحرروها، واما اذا فرضنا انهم اختاروا القول بعدم التفصيل فيأتي احتمال انهم فهموا من الصحيحة غير ما نفهمه من الصحيحة واعتبروا قول الامام في الصحيحة ولم يرجع اليه عقله قيد توضيحي لا انه احتراز عن صورة رجوع عقله اليه، فلعلهم لم يفهموا ذلك فإن التفصيل مبني على فهم الاحترازية من التقييد بعود العقل خلال السنة فيكون لها مفهوم ولعل جماعة من هؤلاء الفقهاء لم يفهموا ذلك، بأن ذهبوا الى أن الرواية بصدد التفصيل في القصاص فهي تفصل بين ما اذا مات اثناء السنة فيثبت القصاص وبين ما اذا لم يمت اثناء السنة فتثبت الدية وما ذكر من القيد انما ذكر لتأكيد الحكم بالدية لأن موضوع الحكم بالدية هو ذهاب العقل فالقيد لتأكيد الحكم بالدية لا للاحتراز به فلا مفهوم للرواية وحينئذ فعدم عملهم بالتفصيل لا يوجب اعراضاً عن العمل بالرواية فلا يوجب سقوطها عن الاعتبار لانهم عملوا بالرواية بالنحو الذي فهموه منها ومن هنا فالظاهر انه لا مانع من العمل بالصحيحة والالتزام بالتفصيل الذي ذكره السيد الماتن في عبارته السابقة

2 - لأنه لا مقدر له شرعاً لأن الصحيحة دلت على أن الدية الكاملة مختصة بما اذا لم يرجع اليه عقله، بل تدل على عدم ثبوت الدية اذا رجع اليه عقله وهذه جناية فتثبت فيها الحكومة فإنه لا يضيع حق امريء مسلم

    1. اما ثبوت الدية فهو صريح الرواية ، واما قوله (وان رجع بعد ذلك) فيستفاد من التحديد بالسنة في نفس الرواية والا يكون التحديد لغوا إن لم نلتزم بهذا الشيء

    2. في المسألة فرضان

الاول: أن نفترض نقصان العقل في جميع الاوقات من غير ان يذهب العقل رأساً

الثاني: أن نفترض ذهاب العقل في بعض الاوقات وهو مايعبر عنه بالجنون الادواري اي يجن في يوم ويفيق في آخر

وكثير من فقهائنا المتأخرين ذهبوا الى الحكومة في كلا الفرضين كالمحقق في الشرائع والعلامة في الارشاد والتحرير وغيرها والشهيد لثاني ونقلوا عن الشيخ الطوسي في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة انهما خالفا في ذلك ولكن الظاهر انهما يخالفان في الفرض الثاني دون الاول اي في ذهاب العقل بتمامه في بعض الاوقات فقالا انه تؤخذ الدية بحسب الازمان فاذا كان يجن يوماً ويفيق في اخر فمعناه انه ذهب نصف عقله فيستحق نصف الدية واذا جن في يومين وافاق في واحد يستحق ثلثا الدية وهكذا

قال في المبسوط (فان ذهب عقله كله ففيه الدية و إن ذهب بعضه: فان كان مقدرا و إنما يعرف هذا بأن يجن يوما و يفيق يوما فيعلم أن نصفه قد ذهب أو يجن يوما و يفيق يومين، أو يجن يومين و يفيق يوما، فإذا كان معروفا بالزمان أوجبنا من الدية بحسابه، و إن كان الذاهب من عقله غير مقدر، مثل أن صار يخاف من غير خوف، و يفزع من الصياح، و يستوحش في غير موضعه، فهذا مدهوش لا يعلم قدر ما زال من عقله، فالواجب فيه أرش الجناية على ما يراه الحاكم) [4]

فالشيخ الطوسي يلتزم بالحكومة في الفرض الاول وانما لم يلتزم بها في الفرض الثاني

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص429.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص431.
[3] وسائل الشيعة ط-آل البیت، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص367، ابواب دیات المنافع، ب7، ح2، ط آل البیت.
[4] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج7، ص126.