الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية الرجلان

(مسألة 309): كلّ جناية كانت فيها دية مقدّرة شرعاً سواء أ كانت بقطع عضو أو كسره أو جرحه أو زوال منفعته، فإن كانت الدية أقلّ من ثلث دية الرجل فالمرأة تعاقله فيها، و إن كان بقدر الثلث أو أزيد صارت دية المرأة نصف دية الرجل (1)

    1. قلنا اذا كانت الدية المقرر في الجناية على الرجل أقل من الثلث فلا اشكال في انه يحكم بأن المرأة تعاقل الرجل في تلك الدية فيما اذا كان الجاني رجلاً كما في قطع الاصبع فإن قطع أحد اصابع الرجل فيه عشرة من الابل فاذا قطع الرجل اصبعاً من المرأة ففيه عشرة من الابل وهكذا يثبت التساوي في قطع اصبعين وفي قطع ثلاثة

كما انه لا خلاف في انه اذا كانت الدية المقررة في الجناية على الرجل أزيد من الثلث يحكم بالتنصيف بالنسبة الى الجناية على المرأة وانما وقع الخلاف في ما اذا كانت الدية المقررة في الجناية على الرجل بمقدار الثلث وهنا رأيان الاول: ما ينقل عن الشيخ من انه يلحق بما اذا كان أقل من الثلث، فتشارك المرأة الرجل في هذه الدية الثاني: انه يلحق بما زاد على الثلث بمعنى انه يحكم بالتنصيف لا بالتساوي

والاستدلال على مختار الشيخ الطوسي كان بالروايات المتقدمة بإعتبار أن هذه الروايات تحدد التنصيف بما زاد على الثلث كما في موثقة سماعة (فاذا جازت الثلث فإنها مثل نصف دية الرجل)[1]

وهكذا في معتبرة ابن أبي يعفور (فاذا جاز الثلث اضعف الرجل)[2] ويفهم منها أن الميزان في كون دية الرجل ضعف دية المرأة هو أن تكون الدية المقدرة على الرجل تتجاوز الثلث، وصحيحة الحلبي (فاذا جازت الثلث صيرت دية الرجال في الجراحات ثلثي الدية ، ودية النساء ثلث الدية)[3]

فالميزان في التضعيف هو مجاوزة الثلث وفي محل الكلام لا مجاوزة للثلث فيكون حكمها حكم ما قبلها وقد استدل لرأي المشهور بالروايات التي تقدمت في الدرس السابق لأنه يقول فيها (اذا بلغت الثلث) وفي مقابلها طائفة تقول اذا جازت الثلث فتتعارض الطائفتان في محل كلامنا وهو ما اذا كانت الدية المقررة للرجل بمقدار الثلث واذا افترضنا انه تعارض مستقر ولا يوجد جمع عرفي بين الطائفتين فحينئذ يتساقطان ونرجع الى المطلقات الفوقانية وهي الادلة التي تدل على أن دية المرأة نصف دية الرجل وهي ليست داخلة طرفاً في المعارضة فنرجع اليها لإثبات انه فيما اذا كانت الدية المقررة على الرجل بمقدار الثلث فنحكم بالتنصيف وبذلك يثبت قول المشهور

ومن المطلقات معتبرة عبدالله بن مسكان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ـ في حديث ـ قال: (دية المرأة نصف دية الرجل)[4] وسندها تام الا من جهة الاشكال في رواية محمد بن عيسى عن يونس ونحن تجاوزنا هذا الاشكال

وفي موردنا اذا بلغ الثلث تعارضت الروايات فتتساقط ويرجع الى هذا المطلق الفوقاني

ومنها صحيحة أبي مريم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : (جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في كل شيء)[5] وحيث اننا نشك في هذا المورد فيما اذا كانت الدية المقررة على الرجل بمقدار الثلث وإذ لا دليل على التساوي يرجع الى هذه الرواية

نعم، لا بد من ان نرفع اليد عن هذه المطلقات فيما اذا كانت الدية في الجناية على الرجل أقل من ثلث الدية لأن الادلة والفتاوى مطبقة على انه اذا كانت الدية أقل من الثلث يحكم بالتساوي واما ما عدا هذه الحالة فيبقى تحت المطلقات، ومنه محل الكلام ومن هنا يظهر عدم تمامية ما قيل من أن الاخبار عامة ودالة على أن دية المرأة مثل دية الرجل ولا نرفع اليد عن اطلاقها وعمومها الا اذا جازت الدية الثلث لإتفاق الادلة على انها ترجع الى النصف وأما محل الكلام فهو داخل في هذا العموم اقول يتبين مما ذكرناه أن هذا الكلام ليس في محله لأنه لا يوجد عندنا مطلقات من هذا القبيل لأن كل الروايات الدالة على التساوي هي طرف في المعارضة إذ لا يوجد مطلق فوقاني يدل على أن دية المرأة تساوي دية الرجل دائماً نعم الموجود يقول ان دية المرأة نصف دية الرجل كما في الروايتين المتقدمتين

فان كل النصوص التي قرأناها تحكم بالتسوية حتى تبلغ الثلث فلا يوجد حكم بالتسوية مطلقا حتى نرجع اليه كمطلق فوقاني ومن هنا يتبين ان الاصل هو التنصيف، كما قال الشيخ المفيد (قده) (أن في اصبع الرجل إذا قطعت عشراً من الابل ، وكذلك في أصبع المرأة سواء .... وفي أربع أصابع من يد الرجل أو رجله أربعون من الابل ، وفي أربع أصابع المرأة عشرون من الابل لانها زادت على الثلث فرجعت بعد الزيادة إلى أصل دية المرأة وهي النصف من ديات الرجال)[6]

هذا كله بناءً على امرين: الاول انه لا يوجد جمع عرفي بين هاتين الطائفتين فيكون التعارض بينهما مستقراً

وثانيا انه لا مرجح لاحدى الطائفتين على الاخرى. ووقع الكلام في أن الحكم بالتساوي اذا لم تبلغ الدية الثلث هل يختص بما اذا كان الجاني على المرأة رجلاً او يشمل ما اذا كان الجاني امرأة؟المعروف والمشهور بينهم انه لا فرق بين أن يكون الجاني رجلاً او كانت امرأة ففي كل منهما يثبت هذا الحكم وهو التساوي اذا لم تبلغ الدية الثلث ولكن تردد العلامة في القواعد في ما اذا كان الجاني امرأة، وجزم المقدس الاردبيلي بعدم التساوي اذا كان الجاني امرأة وانما يطبق القواعد العامة وهي تقول بأن كل ما يكون في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية واذا طبقنا هذا في محل الكلام فنقول مثلاً بأن يد المرأة الواحدة فيها نصف دية المرأة واذا قسمناها على خمسة اصابع ففي كل واحد من الاصابع خمسون ديناراً، او خمسة من الابل، فاذا قطعت المرأة اصبعاً من اصابع المرأة ففيها خمسة من الابل بينما اذا قطع الرجل اصبعاً من اصابع المرأة ففيه عشرة من الابل والدليل على التفرقة بين ما اذا كان الجاني رجلاً وبين ما اذا كان امرأة هو ما بينه المحقق الاردبيلي من ان مقتضى القواعد العامة هو ان يحكم بهذا مطلقاً سواء كان الجاني رجلاً او كان امرأة بل ان القواعد العقلية ايضاً تقتضي ذلك وانما نرفع اليد عن مقتضى القواعد بهذه الادلة القائلة بأن المرأة تعاقل الرجل الى الثلث وهذه الادلة مختصة بما اذا كان الجاني رجلاً ولا تشمل ما اذا كان الجاني امرأة

[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص353، أبواب ديات الاعضاء، باب44، ح2، ط آل البیت .
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص164، أبواب قصاص الطراف، باب1، ح4، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص165، أبواب قصاص الطراف، باب1، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص205، أبواب ديات النفس، باب5، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص384، أبواب ديات الشجاج، باب3، ح2، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص353، أبواب ديات الاعضاء، باب44، ح3، ط آل البيت.