الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/05/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء

(مسألة 309): كلّ جناية كانت فيها دية مقدّرة شرعاً سواء أ كانت بقطع عضو أو كسره أو جرحه أو زوال منفعته، فإن كانت الدية أقلّ من ثلث دية الرجل فالمرأة تعاقله فيها، و إن كان بقدر الثلث أو أزيد صارت دية المرأة نصف دية الرجل (1)

قبل ان نكمل الدرس نرجع الى الاسئلة التي قدمها بعض الاخوة وهي ترتبط بالمسألة السابقة وهي ان الدية اذا كانت مساوية للثلث فما هو حكمها؟

السؤال الاول: لم لا يكون المدار على دخول الغاية في المغيا وعدمه؟

والجواب ان الطائفة الاولى تقول بالتساوي حتى يبلغ الثلث والطائفة الثانية تقول فإن جاز الثلث فالتضعيف، والذي يبدو ان قوله فإن جازت الثلث فالتضعيف قرينة على دخول الغاية في المغيا فهو ظاهر في أن المناط على مجاوزة الثلث وهذا معناه ان الغاية ليس حكمها التضعيف

بينما الطائفة الاخرى ظاهرة في أن الغاية لا تدخل في المغيا الذي حكم عليه بالتساوي فبمجرد أن يبلغ الثلث فحكمه التضعيف فالغاية داخلة في ما حكم عليه بالتضعيف

فهناك قرائن في هاتين الطائفتين هي التي تتحكم في ان الغاية داخلة في المغيا او ليست داخلة فيه

سؤال آخر: إن الروايات القائلة فإن جازت الثلث فالتضعيف غير متعرضة لمحل الكلام

ولكن نقول إن الظاهر منها أن الميزان في التضعبف هو مجاوزة الثلث ومعناه أن محل الكلام ليس فيه تضعيف لأنه لامجاوزة فيه للثلث بل يفهم منها أن حكمه التساوي باعتبار ما ذكرناه من أن قوله فإن جازت الثلث قرينة على دخول الغاية في المغيا

سؤال آخر: يمكن القول بأن دلالة روايات التساوي على التسوية بالظهور واما دلالة الروايات الاربع فبالنص، كما يمكن تقديم روايات القول المشهور بالشهرة الروائية

وجوابه: أساساً الترجيح بالشهرة محل كلام فلم ننته في البحث الاصولي الا الى الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة

وبقطع النظر عن هذا نقول ان روايات القول الثاني أيضاً مشهورة اما صحيحة ابن ابي يعفور فقد رواها كل من الشيخ الطوسي والكليني بطريقين مختلفين وصحيحة الحلبي رواها كل منهما، نعم موثقة سماعة رواها الشيخ الطوسي فقط في التهذيبين، فروايات القول الثاني لا تقل شهرة عن روايات القول الاول

سؤال آخر: إن العمومات التي استدللتم بها موردها قتل المرأة ولا بد أن تكون الدية على النصف لأن الدية الثابتة في القتل على الرجل أكثر من الثلث وهذا مسلم فتكون فيه دية المراة نصف دية الرجل، فلا تصلح أن تكون عاماً فوقانيا يرجع اليه عند التعارض

والجواب إن رواية عبد الله بن مسكان وان كان موردها قتل المرأة كما في الكافي عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: «إذا قتلت المرأة رجلا قتلت به وإذا قتل الرجل المرأة فإن أراد القود أدوا فضل دية الرجل وأقادوه بها وإن لم يفعلوا قبلوا من القاتل الدية - دية المرأة - كاملة ودية المرأة نصف دية الرجل»[1] ولكن صحيحة ابي مريم ليس موردها قتل المرأة عن أبي جعفر (عليه‌السلام) ، قال «جراحات النساء على النصف من جراحات الرجال في كل شيء»[2]

ففيها من الاطلاق والعموم ما يصلح أن يكون مرجعاً فوقانياً يرجع اليه بعد تساقط الروايتين

سؤال آخر: إن روايات (فإن تجاوز الثلث فالتضعيف) صريحة في أن التنصيف بعد الثلث فيكون محل الكلام وهو ما اذا كان بقدر الثلث داخلاً في التساوي بينما روايات حتى ينتهي الى الثلث ظاهرة في أن الثلث حكمه التنصيف

والجواب: إن روايات حتى يبلغ الثلث فيها ظهور واضح لا يقل عن ظهور تلك في أن الميزان في التنصيف هو بلوغ الثلث لأنه اذا كان بقدر الثلث يصدق انه بلغ الثلث فالاظهرية غير موجودة فضلاً عن النصوصية

سؤال آخر: بعد استقرار التعارض بين الروايتين فانهما تتساقطان مطلقاً حتى في غير المورد المختلف فيه لاتحاد اللفظ الدال على المورد المتفق عليه والمختلف فيه، وسقوط الطائفتين مطلقاً لم يقل به احد فالذهاب الى التساقط غير ممكن

والجواب إن الطائفتين تتعارضان في محل الكلام فقط اي اذا بلغ الثلث اما اذا لم يبلغ الثلث فلا تعارض في ان حكمه التساوي كما أن صورة تجاوز الثلث حكمه التضعيف بلا اشكال وكلتا الطائفتين تدلان عليه وانما تتعارضان فيما اذا كان بقدر الثلث

وقبل ان نرجع الى حيث ما انتهينا، هناك تنبيه يرتبط بالبحث الرجالي المتعلق بالحسن بن صالح بن حي، الذي لم ينص على وثاقته وذكرنا وجهاً لتوثيقه وهو انه روى صاحب نوادر الحكمة عنه بسند صحيح وقد استبعدنا ذلك لأنه لا يمكن لصاحب النوادر أن يروي عن اصحاب الامام الصادق فيحتمل أن تكون واسطة محذوفة في البين او ان من يروي عنه صاحب النوادر غير الحسن بن صالح بن حي الذي يروي عن الامام الصادق (عليه السلام)

والوجه الآخر هو أن توثيق العامة له قد يجعل دليلاً على وثاقته باعتبار أن توثيق العامة له فيه دلالة على ان وثاقة الرجل على درجة من الوضوح بحيث لا يمكن انكارها والا لو كان فيه ذم او قدح لذكر بعضهم على الأقل هذا القدح، وهذا وإن قلناه في مورد من الموارد لكن هذا في الراوي الامامي المعلوم كونه كذلك ولا يصح هذا في الراوي غير الامامي المعلوم كونه غير امامي باعتبار ان أهل الجرح والتعديل من العامة كان مبناهم على قدح الرواة الشيعة والطعن فيهم بالمقدار الذي يتمكنون منه

فلا يصح هذا الكلام في راو معلوم انه ليس امامياً لانهم ليسوا بصدد احصاء موجبات الجرح فيه بل لعلهم يغضون النظر عن موجبات الوهن فيه لأنه منهم

ومن هنا لا يكون اتفاقهم على عدالة رواتهم دليلاً على وثاقتهم وعدالتهم عندنا، لأنهم يقولون بعدالة الصحابة ويقولون بوثاقة العديد من التابعين ولم يجعل احد من علمائنا ذلك دليلاً على الوثاقة عندنا

ومن هنا يظهر ان اتفاقهم على وثاقة احد الرواة ليس هو الدليل على الوثاقة بل الدليل هو اتفاقهم على وثاقة شخص هم بصدد احصاء مثالبه وعيوبه والتركيز عليها في ترجمته وهذا لا يكون الا في الراوي الذين يعلم كونه من الشيعة الامامية

والحسن بن صالح ليس كذلك بل هو محسوب عليهم ولذا عظموه وعدوه من العباد الزهاد

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني، ج7، ص298.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص384، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب3، ح2، ط آل البیت .