الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية الذكر

(مسألة 304): المشهور أنّ في قطع ذكر العنّين ثلث الدية (1)، وهو لا يخلو عن إشكال، والأظهر أنّ فيه الدية كاملة [1]

(مسألة 305): في قطع الخصيتين الدية كاملة، وقيل: في قطع اليسرى ثلثا الدية، وفي اليمنى ثلث الدية، وفيه إشكال، والأظهر ما هو المشهور من التساوي [2]

    1. ذكرنا ان هناك قولان في دية قطع ذكر العنين

الاول: وهو المشهور -على ما قيل- ان فيه ثلث دية ذكر الصحيح باعتبار ادخال العنن في الشلل

الثاني: ان فيه تمام الدية ويستدل عليه برواية السكوني مضافاً الى اطلاق النصوص المتقدمة الدالة على ان كل ما في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احداهما نصف الدية وكل ما كان فيه واحدا ففيه الدية

وفي الرياض ذكر بان هذه الرواية لا تقاوم الادلة السابقة فتطرح او تحمل على ارادة بيان نفي القصاص وثبوت أصل الدية في الجملة لا بيان كمال الديةويلاحظ على القول الاول ان كون العنن من الشلل ليس واضحاً باعتبار ان العنن معناه عدم القدرة على الجماع وله مناشيء متعددة فقد تكون نفسية وقد تكون هناك امراضاً عضوية توجب العنن فليس بالضرورة أن العنن يوجب الشلل في الذكر فقد يكون العنن لا يوجب شللاً في الذكر بمعنى ان الذكر يبقى سليما لكن ليس له القدرة على الجماع خصوصا انهم عرفوا الشلل في الذكر بانه الذي ينبسط ابدا ولا ينقبض حتى في الماء البارد او ينقبض ابدا ولا ينبسط حتى في الماء الحار وإن التذ صاحبه وامنى بالدخول وأولد، ومن الواضح بأن العنين ليس كذلك ومن هنا يمكن ان نقول بأن معتبرة السكوني تكون قرينة على ذلك اي على عدم دخول العنن في الشلل، فاذا تمت تلك القاعدة في العضو المشلول فالعنن لا يدخل فيها ومن هنا لا يكون هناك تعارض بين الدليلين اي ما دل على انه في العضو المشلول الثلث وبين هذه المعتبرة لتعدد الموضوع وحينئذ لا موجب لما قاله السيد في الرياض من طرح الرواية المعتبرة او حملها على ما ذكره من انها في مقام بيان نفي القصاص لا في مقام بيان تمام الدية ولو سلمنا دخول العنن في الشلل -كما هو ظاهر كثير منهم- مع ذلك يتعين تقديم هذه الرواية المعتبرة على ادلة ان العضو المشلول فيه ثلث الدية باعتبار ان هذه الادلة بمنزلة العمومات القابلة للتخصيص بما هو اخص منها وهو في المقام معتبرة السكوني لأن موضوعها الشلل بالعنن بينما موضوع تلك العمومات هو قطع العضو المشلول ومن هنا يتبين انه لا بد من تقديم المعتبرة سواء قلنا ان العنن يدخل في الشلل او قلنا بانه لا يدخل في الشلل نعم اذا قلنا بضعف رواية السكوني سنداً -كما ذهب اليه بعضهم- وقلنا بأن العنن داخل في الشلل وقلنا بان في قطع العضو المشلول ثلث الدية فيثبت قول المشهور من ثبوت ثلث الدية في قطع ذكر العنين الا ان هذه الامور الثلاثة غير مسلمة

2- يذكر هنا امرين:

الامر الاول: ان في قطع الخصيتين تمام الدية

الامر الثاني: ان تمام الدية تتقسم بالتساوي على الخصيتين ففي كل واحدة نصف الدية

اما الامر الاول فالظاهر انه مسلم عند الجميع وادعي عليه الاجماع وقيل بلا خلاف، وفي الرياض قال اجماعاً فتوى ونصاً عموماً وخصوصاً والمقصود بالادلة العامة هي الادلة المتقدمة ان كل ما كان فيه اثنان ففيهما الدية واما الخصوص فالروايات الدالة على ان في الخصيصتين الدية، وهي ثلاث روايات:

الاولى معتبرة يونس ((والبيضتين الف دينار))[3] وهو معطوف على ما قبله اي في البيضتين، ورواها الشيخ الكليني بطريقين الاول عن يونس أنه عرض على أبي الحسن الرضا (عليه‌السلام) كتاب الديات

وفي موضع آخر رواها عن ابن فضال عن الرضا (عليه السلام) فهذان حديثان

الثاني: صحيحة الحلبي -بحسب رواية الشيخ الطوسي في التهذيب لا بحسب رواية الكليني- حيث رواها بابدال (في الشفتين الدية) في رواية الكليني ب (وفي البيضتين الدية)[4]

الثالث: معتبرة ظريف كما في التهذيب ((وفي خصية الرجل خمسمائة دينار)) [5] وهي تدل على ان في الخصيتين دية كاملة بضميمة انه لا يحتمل ان يكون في الخصية الاخرى غير الخمسمائة، نعم هناك قول يفرق بين اليمنى واليسرى الا ان الرواية لم تفرق بينهما

وهذه النصوص العامة والخاصة ظاهرة في التساوي بين الخصيتين مضافاً الى ظهورها في ان في الخصيتين تمام الدية والادلة العامة فيها ظهور اكثر في التساوي بين الخصيتين لانها تقول كل ما كان فيه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية والتساوي هو مذهب المشهور بل كافة المتأخرين كما قيل وادعي عليه الاجماع كما في الغنية، والدليل عليه هو النصوص السابقة فانها ظاهرة في التساي بين الخصيتين وفي المقابل ذهب جماعة الى ان في اليسرى ثلثي الدية وفي اليمنى ثلث الدية، ذهب الى ذلك الشيخ في الخلاف مدعياً عليه الاجماع، وسلار وابن البراج في المهذب وابن حمزة والعلامة في المختلف بل قيل ان الشيخ الصدوق في الهذاية ذهب الى التفاوت بين الخصيتين، واستدل له بروايتين:

الاولى: صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، مثل اليدين والعينين ، قال : قلت : رجل فقئت عينه؟ قال : نصف الدية ، قلت : فرجل قطعت يده؟ قال : فيه نصف الدية ، قلت : فرجل ذهبت إحدى بيضتيه؟ قال : إن كانت اليسار ( ففيها ثلثا الدية) ، قلت : ولم؟ أليس قلت : ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية؟! فقال : لان الولد من البيضة اليسرى))[6] كأن التفاوت في المنفعة اوجب التفاوت في الدية، وهي تامة سنداً وواضحة الدلالة بل هي صريحة في وجود تفاوت بين الخصيتين

الثانية: مرفوعة الواسطي ((الولد يكون من البيضة اليسرى فاذا قطعت ففيها ثلثا الدية ، وفي اليمنى ثلث الدية)) [7]

واستدل العلامة في المختلف بدليل آخر وهو انهما متفاوتان في المنفعة فلا بد ان يتفاوتا في الدية ويقصد تفاوت المنفعة من جهة حصول الولد وعدم حصوله وهذا الدليل اذا لم نرجعه الى الروايتين مشكل لأن المقدمة الاولى وهو وجود تفاوت بينهما لا دليل عليها اذا لم نتمسك بالروايات بل ينقل عن الاطباء ان الامر ليس هكذا فلا دليل عليه الا الرواية

واما المقدمة الثانية وهو انه كلما كان هناك تفاوت في المنفعة لا بد ان يكون تفاوت في الدية، فهي غير واضحة فإن اليد اليمنى تتفاوت في المنفعة عن اليسرى، ولم يقل أحد بتفاوت الدية

وعلى كل حال لعلاج حالة التعارض، قيل ان مقتضى الصناعة هو تقديم صحيحة عبد الله بن سنان على ادلة القول الاول باعتبار انها اخص، مضافاً الى ما ذكره بعضهم من انها معللة والمعلل يقدم على غير المعلل عندما يتعارضان وهنا يجب ان نلاحظ ادلة القول الاول لنرى هل صحيحة عبد الله بن سنان أخص منها او لا؟

والوارد في الدليل الاول (وفي البيضتين الف دينار) والثاني (وفي البيضتين الدية) والثالث (في خصية الرجل خمسمائة دينار)، والرابع الدليل العام (كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية)

والظاهر ان القائل بالتخصيص ناظر الى الاخير اي صحيحة هشام بن سالم فهو عام يشمل الخصيتين بالعموم بينما صحيحة عبد الله بن سنان واردة في الخصيتين، واما باقي الادلة فهي واردة في الخصيتين، نعم فيها ظهور في التساوي وقد يقال بتقديم صحيحة عبد الله بن سنان على هذا الظهور لانها اظهر في التفاوت فنرفع اليد عن ظهور الروايات الاولى في التساوي

ولكن معتبرة ظريف القائلة في خصية الرجل خمسمائة دينار الظاهر ان هذا نص في التساوي فهو ليس عام ولا ظاهر في التساوي بل هو نص في التساوي، باعتبار انه يقول في احدى الخصيتين خمسمائة، واذا ثبت في احدى الخصيتين خمسمائة يثبت في الثانية خمسمائة قهراً لأن الرواية تقول ان فيهما تمام الدية ولم ينكر ذلك حتى اصحاب القول الثاني فهذا النص معارض لصحيحة عبد الله بن سنان معارضة مستقرة ولا طريق للجمع العرفي بينهما فيتساقطان ولا بد ان نرجع الى العمومات الفوقانية التي تقول (كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية)


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص389.
[2] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص389.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص283، أبواب دیات الاعضاء، باب29، ح2، ط آل البيت.
[4] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج10، ص245.
[5] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج10، ص307.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص283، أبواب دیات الاعضاء، باب1، ح1، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص312، أبواب دیات الاعضاء، باب18، ح2، ط آل البيت.