الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية الثديان

الثاني عشر: الثديان وفي قطعهما الدية كاملة، وفي كلّ منهما نصف الدية (1) ولو قطعهما مع شي‌ء من جلد الصدر ففي قطعهما الدية، وفي قطع الجلد الحكومة (2)، ولو أجاف الصدر مع ذلك ففيه زائداً على ذلك دية الجائفة (3)(مسألة 301): في كلّ واحد من الحلمتين من الرجل ثُمن الدية (4) و كذلك الحال في قطع حلمة المرأة

    1. قلنا ان اصل الحكم بنحو القضية المهملة لا اشكال فيه وهو ان في الثديين الدية وفي احداهما نصف الدية وذكرنا ما يدل على ذلك وانما يقع الكلام في امرين

الامر الاول: هل يختص هذا الحكم بالمرأة او انه يشمل الرجل ايضاً؟

والثاني: ان الدية فيه بالنسبة الى المرأة هل المقصود بها دية المرأة او ان المراد بها دية الرجل؟

اما الامر الاول فقلنا بان ظاهر كلماتهم ان الرجل ليس له ثديان ولذا لم يتعرضوا لحكم الثديين في الرجل وتعرضوا لحكم الحلمتين، واستدلوا على الحكم بصحيحة ابي بصير وهي مختصة بالمرأة، بل صرح اكثر من واحد بان الرجل ليس له ثديان وبناء على هذا لا بد ان يحمل اطلاق الباقين على ثديي المرأة فاذا فرضنا أن الرجل له ثديان فيمكن اثبات هذا الحكم بالادلة العامة الناصة على أن كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية اذ لا اشكال في شمول هذه العمومات للرجل ولذا استدلوا بهذه العمومات في غير الثديين بالنسبة الى الرجل واما الامر الثاني فالصحيح ان المراد بها دية المرأة وهذا واضح من ادلة الحكم، اما بالنسبة الى الدليل الاول وهو العمومات او القاعدة المستفادة من صحيحة هشام بن سالم فالمراد بقوله فيها (كل ما كان فيه اثنان ففيهما الدية) دية ذلك الانسان الذي فيه العضوان، بل الظاهر ان هذه العمومات فيها اطلاق اوسع من هذا فتشمل حتى العبد والذمي ففي عيني العبد دية العبد وفي احدهما نصف ديته وكذلك الذمي، فالدية في هذه العمومات تكون دية ذلك الانسان الذي فرض فيه العضوان ولذا يظهر ان الفقهاء استدلوا بهذه العمومات على ان في ثديي المرأة ديتها واما الدليل الثاني وهو صحيحة ابي بصير المتقدمة فانه وان كان الوارد فيها نصف الدية ومن هنا قد يتوهم بان المقصود نصف الدية الكاملة ولكن هذا التوهم ليس في محله لان له لازم باطل لانه يكون في قطع ثديي المرأة دية كاملة اي الف دينار بينما في قتل المرأة نصف دية الرجل، ومن هنا يتعين ان يكون المراد بنصف الدية في صحيحة ابي بصير نصف دية المرأة

2- باعتبار ان المفروض ان في قطع الثديين الدية كاملة وقد قطع شيئاً زائداً لا مقدر له فتثبت فيه الحكومة على القاعدة المتقدمة

3- الجائفة هي الطعنة او الرمية التي تصل الجوف وفيها ثلث دية النفس، وأصل الحكم واضح لانه قطع ثدييها وشيئاً من الجلد وأجاف صدرها فيثبت دية كل هذه الامور

4- الكلام يقع اولاً في حلمتي الرجل ثم يقع في حلمتي المراة

وما ذكره السيد الماتن من ان في حلمتي الرجل ثمن الدية وهي 125 ديناراً وفي الحلمتين من الرجل ربع الدية اي 250 ديناراً هذا هو المنسوب الى الشيخ الصدوق وابن حمزة في الوسيلة وابن سعيد في الجامع ونسبته للشيخ الصدوق باعتبار انه روى الرواية التي ذكرت الحكم وهي معتبرة ظريف ومن هنا قد يقال بأن الشيخ الطوسي ايضاً رواها في التهذيب الا انه فرق بينهما فإن الصدوق حين يروي الرواية يلتزم بصحتها ويفتي بها دون الشيخ الطوسي فلم يلتزم بذلك

والدليل عليه هو معتبرة ظريف فورد فيها (في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون ديناراً )[1] وبناء على هذا يكون في حلمتي الرجل ربع الدية

القول الثاني: ان فيهما الدية الكاملة وفي احداهما نصف الدية وهو قول الشيخ في المبسوط والخلاف وابن ادريس في السرائر والعلامة في التحرير والارشاد ويظهر دعوى الاتفاق عليه من الشيخ وابن ادريس

ودليلهم هو العمومات المتقدمة وان كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احداهما نصف الدية ويلاحظ عليه اولاً انه يوجد كلام في شمول القاعدة للحلمتين فيحتمل انها ناظرة الى الاعضاء الرئيسية كاليدين والرجلين وعلى تقدير شمول القاعدة لحلمتي الرجل فهي قاعدة قابلة للتخصيص فاذا وجد دليل معتبر تام السند يخصص القاعدة فيلتزم بالدليل ويرفع اليد عن القاعدة والدليل هو معتبرة ظريف فنرفع اليد عن القاعدة بهذه الرواية المعتبرة واستبعد المحقق في الشرايع القول الثاني وقال بأن ايجاب الدية الكاملة فيهما بعيد ولعله من جهة استبعاد شمول القاعدة لهما وتعجب من الشيخ الطوسي انه لم ترك رواية ظريف وتمسك بالقاعدة مع انه عمل بالرواية في موارد متعددة والحال ان رواية ظريف مخصصة للقاعدة القول الثالث ان في حلمتي الرجل الحكومة وهو محكي عن فخر المحققين في الايضاح والشهيد في المسالك ومال اليه في الرياض وهو مبني على ضعف رواية ظريف سنداً وعدم شمول القاعدة لحلمتي الرجل فلا مقدر لحلمتي الرجل شرعاً والمرجع فيها الى الحكومة ومن الواضح بأن هذا الكلام لا مجال له اذا قلنا باعتبار سند رواية ظريف نعم صاحب الرياض بالرغم من انه يقول بتمامية سند الرواية الا انه مال الى الحكومة من باب آخر وهو كون الرواية معارضة بالاجماع المستظهر من عبارة الشيخ وابن ادريس الحلي، ولا مرجح بينهما فيتساقطان ويبقى المورد بلا مقدر شرعي ويلاحظ عليه ان الظاهر ان صغرى الاجماع غير متحققة في المقام بعد مخالفة من تقدم ذكره ولم يتعرض كثير منهم لحلمتي الرجل، ومن المحتمل ان المقصود بالاتفاق المدعى هو الاجماع على المدرك فلا اشكال في الاجماع على القاعدة الكلية فليس هو اتفاقاً على الحكم في حلمتي الرجل وانما هو اتفاق على المدرك ومن هنا لا يمكن أن نجعل مثل هذا الاجماع معارض لمعتبرة ظريف فالعمل عليها ونخصص بها القاعدة ونلتزم بالقول الاول الذي بنى عليه السيد الماتن (قده) فالصحيح ان في حلمتي الرجل ربع الدية وفي احداهما ثمن الدية واما حلمتي المرأة القول الاول فيهما الدية وفي احداهما نصف الدية وهو قول الشيخ في المبسوط وابن حمزة في الوسيلة وابن ادريس السرائر واختاره العلامة في بعض كتبه ودليله نفس القاعدة المتقدمة لانهما اثنان في البدن واستشكل فيه المحقق في الشرايع بأن الدية الكاملة ثابتة في ثديي المرأة على ما تقدم والحلمتان بعض من الثديين ولا اشكال في أن الدية الثابتة للكل تتقسم على ابعاضه فينبغي أن يكون للحلمتين جزء مما هو ثابت للكل لا ان نقول فيهما الدية التامة لأن ثبوت الدية للحلمتين يستلزم مساواة الجزء للكل ونقض عليه بالدية في اليد والرجل فالدية كما تثبت في قطع اليد كذلك تثبت في قطع أبعاض اليد فليكن ما نحن فيه من هذا القبيل واجيب عنه ان قياس ما نحن فيه على الرجل واليد قياس مع الفارق، والفارق هو ورود النص على ان في قطع اليد من الذراع فيه الدية كاملة وهكذا في الرجل بينما في محل الكلام لا يوجد نص يقول بأن في حلمتي المراة الدية

مضافاً الى ان الرجل واليد تطلق على الابعاض حقيقة وبلا مسامحة بينما الثدي لا يطلق على الحلمة بل تطلق اليد حتى على الاصابع كما في قوله تعالى ﴿وقطعن ايديهن﴾[2]

القول الثاني: الحكومة وهو مختار فخر المحققين في الايضاح والشهيد في المسالك والروضة تمسكاً بأصالة البراءة عن ما تثبته الحكومة


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، الشيخ أبو جعفر، ج29، ص311، ابواب ديات الاعضاء، باب18، ح1، ط آل البیت .
[2] سورة الیوسف، آیة 31.