الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/04/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:کتاب الديات/ديات الأعضاء/دية الاصابع

العاشر: الأصابع المشهور أنّ في قطع كلّ واحد من أصابع اليدين أو الرجلين عشر الدية (1)، وعن جماعة: أنّ في قطع الإبهام ثلث دية اليد أو الرجل، وفي كلّ واحد من الأربعة البواقي سدس دية اليد أو الرجل، وهو الصحيحتنبيهان:

الاول: يرتبط بما تقدم في (مسالة 296) لو قطع ذراع لا كف لها ففيه نصف الدية وكذا الحال في العضد، والظاهر ان المقصود لا ذراع له، واستدل على ذلك بالادلة العامة الدالة على ان كل ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية، والسؤال هو ان لهذا لازم باطل وهو انه اذا فرضنا ان شخصاً قطع كف شخص آخر من الزند فلا إشكال ان فيه نصف الدية فاذا جاء آخر وقطع ذراعه يكون دية كاملة في اليد الواحدة بل لو جاء ثالث وقطع يده من المنكب يكون في اليد دية ونصف

وظاهر الفقهاء انهم التزموا بهذا ولذا هم اتفقوا على هذا الحكم الذي ذكره السيد الماتن وهو انه في الذراع نصف الدية ومقصودهم الذراع التي لا كف لها لأن قطع الذراع مع اليد يدخل في قطع اليد بناء على ما هو الصحيح من أن اليد موضوعة للأعم من هذه المعاني واستدلوا بالعمومات ولم يتمسكوا بدليل قطع اليد والسر فيه انه يوجد تأمل في صدق اليد على الذراع من دون الكف فإن اليد تصدق على الذراع مع الكف بلا اشكال ولكن يتاأمل في صدقها على الذراع من دون الكف

ذكر الشيخ المفيد في المقنعة (في اليد اذا استؤصلت نصف دية النفس وفي اليدين جميعاً اذا استؤصلتا الدية كاملة وكذا في الذراع والذراعين والعضد والعضدين) ومقصوده الذراع من دون كف والا اذا كان الذراع مع الكف يصدق عليه قطع اليد فيدخل في الحكم الاول الذي ذكره، وظاهرا مقصوده العضد بدون ذراع

ولذا في الجواهر عندما شرح قول المحقق (ويظهر لي في الذراعين الدية) قال (لو قطعا متميزين عن قطع الكفين) [1]

قال في العلامة الارشاد (في اليدين الدية وفي كل واحدة النصف وحدهما المعصم فان قطع معها بعض الزند ففيها الدية والحكومة وفي الذراعين الدية وكذا في العضدين) فالظاهر ان مقصوده الذراعان من دون الكف والعضدان من دون الذراعين والكفين

قال في مجمع الفائدة (دليل وجوب تمام دية النفس في الذراعين وكذا في العضدين وفي كل واحدة منهما نصف الدية، ما تقدم في اليد وغيرها وهذا في الذراعين اذا لم يكن كف ظاهر وكذا في العضدين اذا لم يكن معهما ذراع واما مع وجودهما فقد تقدم) [2]

وقوله (ما تقدم في اليد) اشارة الى الادلة العامة الدالة على ان ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية، وعبر عن ثبوت الدية في الذراعين اذا لم يكن لهما كف بانه ظاهر وواضح وكذا في العضدين

وفي الجواهر بعد ان ذكر هذا قال (لكن في محكي الخلاف ان من قطع ذراع رجل وكان قطع كفه اخر وكان للقاطع ذراع بلا كف كان له القصاص وان اراد ديته كان له نصف الدية على الذراع التي لا كف فيها، الا قدر حكومة ذراع لا كف له)[3] ولذا صار محل تعجب من قبل الجواهر وغيره في هذا الاستثناء

فمسألة ان فيها نصف الدية امر واضح عندهم في (مسالة لو قطع الاصابع وقطع اخر الكف فعلى الاول نصف الدية وعلى الثاني الحكومة في الكف)، وحكموا بالحكومة باعتبار أن اليد لا تصدق على الكف مع قطع الاصابع فلذا لا يمكن الاستدلال على ثبوت الدية فيها بما دل على قطع اليد، كما أن الادلة العامة لا تشملها بان يقال ان الانسان له كفان وقطعت احداهما ففيها نصف الدية، لان الكف مأخوذ فيها وجود الاصابع فدليل ثبوت نصف الدية في قطع اليد لا يشمل المقام وكذا الادلة العامة ولذا قالوا في الكف الحكومة لأن الكف من دون الاصابع لا مقدر لها، وهذا معناه انه في محل الكلام يقولون بنصف الدية لأن الادلة العامة تشمل الذراع المقطوع بلا كف ولوضوح صدق الذراع في محل الكلام فلا بد ان يلتزم من التزم بنصف الدية في تلك المسألة بثبوت نصف الدية في قطع الذراع وان ثبت سابقاً نصف الدية بقطع الكف لأن الأدلة العامة تشملها القول الآخر هو ان فيها الحكومة لان الذراع لا تقدير لها، فالمراد باليد هو الكف الى الزند

قال في مفتاح الكرامة في التعليق عليه (وهذا قوي لولا اطباق الاصحاب على خلافه) فيوجد اطباق من قبل الاصحاب على ان في قطع الذراع نصف الدية

ومنشأ الخلاف هو ان اليد اما ان تصدق على الذراع او العضد مع عدم الكف او لا اذا صدقت فحينئذ يكون الدليل على ثبوت نصف الدية فيها هو ادلة ثبوت الدية في قطع اليد، واذا قلنا بانها لا تصدق كما هو الظاهر فانه يعتبر وجود الكف في صدق اليد فحينئذ يكون الدليل على ثبوت نصف الدية فيها هو الادلة العامة القائلة ان ما كان في الانسان منه اثنان ففيهما الدية وفي احدهما نصف الدية واما اللازم الباطل المذكور فالظاهر انه ليس باطل والظاهر ان الفقهاء يلتزمون به ومن هنا يكون الدليل على المسألة هو ما ذكره السيد الماتن وما ذكرناه وهو الادلة العامة ونلتزم بتعدد الدية ولكن تعدد الدية يكون بدليلين ففي قطع الكف اولا نصف الدية للدليل الدال على ثبوت نصف الدية في قطع الكف، وفي قطع الذراع بعد ذلك نصف الدية للادلة العامة، والظاهر ان هذا لا محذور فيه

التنبيه الثاني: يرتبط بمسالة 295 (لو اشتبهت اليد الاصلية بالزائدة ولم يمكن تمييز احداهما عن الاخرى فان قطعتا معا ففيه الدية والحكومة)

وقلنا بأن هذا صحيح اذا اتحد القطع والقاطع فانه قطعاً قطع يداً اصلية وقطع يداً زائدة، ولكن اذا فرضنا تعدد القطع والقاطع فقلنا يحتمل انه تثبت الحكومة في كل منهما تمسكاً بأصالة عدم كون المقطوعة أصلية وقلنا بانها لا تعارض بأصالة عدم كونها زائدة، والثاني ايضا يجري اصالة عدم كونها اصلية، وإن كان كل منهما يعلم إما هو او الآخر قطع يداً أصلية، ولكن العلم الاجمالي لا يولد تكليفاً كواجدي المني بالثوب المشترك، واحتمال ان يجب عليه شيء آخر غير الحكومة ينفى بالاصل ان قلت لم لا نجري القرعة المقام فجوابه ان القرعة لا تجري في كل اشتباه فعندما تكون أدلة ظاهرية تحل الاشكال لا تجري القرعة وانما مورد القرعة لو اشكل الامر ولا توجد ادلة لحل المشكل نضطر الى القرعة، كما لو وطأ رجلان جارية واولدت غلاماً او رجل اوصى بعتق نصف عبيده فموارد القرعة ليس فيها مجال لجيان الادلة الظاهرية وانما تكون من الامور المشكلة مثال (اذا وقع الحر والعبد والمشرك على امراة في طهر واحد وادعو الولد اقرع بينهم)(اذا قال اول مملوك املكه فهو حر وورث ثلاثة في ان واحد قال يقرع بينهم)(في الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان علي عليه السلام يسهم بينهم)

(أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئوها جميعا في طهر واحد فولدت غلاما واحتجوا فيه كلهم يدعيه ، فأسهمت بينهم)

(ما تقول في بيت سقط على قوم فبقي منهم صبيان احدهما حر والاخر مملوك لصاحبه فلم يعرف الحر من العبد) ففي هذه الموارد وامثالها تجري القرعة اما حيث يكون هناك حكم ظاهري يحل المشكلة بالرجوع اليه فلا تصل النوبة الى القرعة

[1] المقنعة، الشيخ المفيد، ج1، ص755.
[2] مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقق المقدّس الأردبيلي، ج14، ص399.
[3] جواهر الكلام، النجفي الجواهري، الشيخ محمد حسن، ج43، ص251.