الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية الاصابع

العاشر: الأصابع المشهور أنّ في قطع كلّ واحد من أصابع اليدين أو الرجلين عشر الدية (1)، وعن جماعة: أنّ في قطع الإبهام ثلث دية اليد أو الرجل، وفي كلّ واحد من الأربعة البواقي سدس دية اليد أو الرجل، وهو الصحيح

    1. الظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في أن اصابع اليد العشر الدية وكذا الحال في اصابع الرجلين العشر، كما انه لا خلاف في أن في أصابع اليد الواحدة الخمس نصف الدية وكذا في أصابع الرجل الواحدة ويدل عليه روايات كثيرة بل قيل انها مستفيضة، ومنها ما دل على أن في قطع الواحد من اليدين او الرجلين عشر الدية وهذا وإن كان معارض بما دل على عدم التسوية بين الاصابع لكنه في دلالته على أن في اصابع اليدين العشر الدية كاملة وفي اصابع اليد الواحدة نصف الدية لا معارض له، وبعبارة اخرى إن الدليل الدال على التسوية والدليل الدال على التفاوت كل منهما يدل على أن في قطع اصابع اليدين الدية كاملة وفي قطع اليد الواحدة نصف الدية

فيبدو أن هذا الحكم مما لا خلاف فيه والروايات فيه مستفيضة وإنما الخلاف وقع في التسوية بين الاصابع في الدية وعدم التسوية بينها وذهب جماعة من المتقدمين والمتأخرين الى التسوية وأن في كل اصبع عشر الدية، وهذا هو الاشهر كما عن المختصر النافع والمشهور كما عن المسالك والبرهان، واستدل له بعدة روايات

الاولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ((في الاصبع عشر الدية إذا قطعت من أصلها أو شلت ، قال : وسألته عن الاصابع أهن سواء في الدية؟ قال : نعم))[1]

الثانية: صحيحة عبد الله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((أصابع اليدين والرجلين سواء في الدية في كل أصبع عشر من الابل))[2] وعشر من الابل يمثل عشر الدية،

الثالثة: موثقة سماعة، قال : سألته عن الاصابع هل لبعضها على بعض فضل في الدية؟ فقال : ((هن سواء في الدية))[3] وهي صريحة في التسوية

الرابعة: رواية الحكم بن عتيبة ((وفي كل أصبع من أصابع اليدين ألف درهم ، وفي كل أصبع من أصابع الرجلين ألف درهم))[4] وهو شامل للابهام وغيره، والالف درهم تمثل عشر الدية، وتقدم أن الاشكال في الرواية من جهة الحكم بن عتيبة نفسه فلم تثبت وثاقته

الخامسة: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((في السن خمسة من الابل أقصاها وأدناها سواء ، وفي الاصبع عشرة من الابل))[5] وظاهره مطلق الاصبع سواء كان الابهام او غيره فيفهم منه التسوية

السادسة: صحيحة زرارة التي يرويها الشيخ الصدوق بسنده الى ابن بكير -وسنده اليه صحيح- عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((في الاصبع عشرة من الابل إذا قطعت من أصلها أو شلت))[6] وهذا عشر الدية، ومقتضى اطلاقها ان الاصبع مطلقاً فيه عشر من الابل وان كان ابهاماً

وفي المقابل ذهب آخرون الى عدم التسوية بين الاصابع وأن في الابهام ثلث دية اليد وفي الاصابع الاربعة الثلثان بالسوية لكل واحد منها السدس، وهو مختار الشيخ في الخلاف والتهذيب والاستبصار وابن حمزة في الوسيلة وغيرهما، ونسبه في المبسوط الى رواية أكثر أصحابنا

واستدل له بمعتبرة ظريف التي رواها الشيخ الكليني بأسانيده إلى كتاب ظريف ، عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام) ((في دية الاصابع والقصب التي في الكف : ففي الابهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار... وفي الاصابع في كل اصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون دينارا وثلث دينار))[7] فهي صريخة في وجود تفاوت بين الابهام وبين سائر الاصابع وسندها تام على ما تقدم فيقع التعارض بينها وبين النصوص السابقة

وقد يقال بتقديم النصوص الاولى الدالة على التسوية لأنها مشهورة باعتبار أن المشهور ذهب الى التسوية بل استندوا الى هذه الروايات مضافاً الى انها أكثر عدداً وأصح سنداً كما قيل وفيه أما الشهرة، فالشهرة التي توجب الترجيح في باب التعارض هي الشهرة الروائية -على القول بها- لا شهرة العمل بالرواية فهي ليست من مرجحات باب التعارض ومن الواضح بأن الشهرة الروائية ليست موجودة في المقام فليس من الواضح بان نصوص التسوية مشهورة رواية دون المعتبرة، فإن المعتبرة ايضاً مشهورة رواية فقد رواها المحمدون الثلاثة في كتبهم نقلاً عن اصحاب الكتب والاجازات باسانيد مختلفة فكل منهما مشهور على مستوى الرواية نعم ما تمتاز به النصوص الدالة على التسوية ان فيها شهرة عملية بناء على ان المشهور عمل بها واستند اليها للقول الاول ولكن الشهرة العملية ليست من المرجحات وأما انها أكثر عدداً فهي وان كانت اكثر عدداً الا انه لم يدل دليل على ان الاكثرية العددية موجبة للترجيح وليس بناء الفقهاء على ذلك واما اصحية السند فقد توجد شبهة من هذا القبيل ففي المسالك عبر عن رواية ظريف بأنه في طريقها ضعف وقد تقدم ان في بعض طرقها يوجد ضعف ولكن ما ينقله الشيخ الكليني والشيخ الطوسي ليس فيه ضعف والأصحية ليست من المرجحات حينما يكون كل منهما صحيح السند بل المدار على الاعتبار فاذا كان سنده معتبراً يعارض ما كان اصح منه سنداً ولا يقدم الآخر لمجرد انه اصح سنداً وهذه هي طريقة العلماء كما لو وقع التعارض بين رواية صحيحة واخرى موثقة فإنهم يوقعون التعارض بينهما ولا يقدمون الصحيحة لمجرد انها صحيحة وجمع الشيخ الطوسي بينهما في التهذيب بحمل نصوص التسوية بما عدا الابهام وعلل ذلك بأن للإبهام حكماً خاصاً، في اشارة الى المعتبرة

وذكر في الاستبصار ( واما ما تضمن رواية ابي بصير وعبد الله بن سنان أن في كل اصبع عشر من الابل يجوز أن يكون من كلام الراوي وهو انه سمع ان في الاصابع سواء في الدية ففسر ان لكل اصبع عشر من الابل ولم يعلم ان هذا الحكم يختص بالاصابع الاربعة)

قال في المختلف (ان ما ذكره الشيخ بعيد جداً لان تطرق مثل ذلك الى ما رواه يسقط الاحتجاج به)

نعم يمكن توجيه كلام الشيخ في التهذيب بأنه مقتضى الجمع العرفي بين الدليلين المتعارضين لأن نصوص التسوية تشمل الابهام بالاطلاق والعموم والمعتبرة تكون مقيدة للاطلاق او مخصصة للعموم فتخرج الابهام عن الحكم بالتسوية على الاصابع وتقول أن فيه ثلث الدية فتبقى التسوية مختصة بالاصابع الاربعة ويلاحظ على هذا التوجية أنه قد يصح في مثل صحيحة الحلبي مما تضمن ذكر التسوية فيه فقط، فهذه الادلة نخصصها بالدليل الدال على أن الابهام لا يساوي بقية الاصابع، وأما ما كان مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتضمن تصريح بأنه في كل اصبع عشر من الابل فلا يأتي فيه هذا التوجيه لأنه يصرح بأنه في كل اصبع عشر من الابل ومعنى حمل هذا على الاصابع الاربعة ان يكون في كل اصبع منها عشر من الابل وهذا يتنافى مع ما صرحت به المعتبرة من أن في كل اصبع منها ثلاثة وثمانين دينار وثلث وهو يمثل سدس الدية فهو اقل من العشر الذي تضمنته هذه الروايات

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص346، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح3، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص347، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح4، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص347، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص345، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص348، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح7، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص345، أبواب ديات الاعضاء، باب39، ح8، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص302-303، أبواب ديات الاعضاء، باب12، ح1، ط آل البيت.