الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية الاسنان

السابع: الأسنان وفيها دية كاملة و تقسّم الدية على ثماني وعشرين سنّاً: ستّ عشرة في مواخير الفم، واثنتي عشرة في مقاديمه. ودية كلّ سنّ من المقاديم إذا كسرت حتّى يذهب خمسون ديناراً فيكون المجموع ستمائة دينار، ودية كلّ سن من المواخير إذا كسرت حتّى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون ديناراً فيكون ذلك أربعمائة دينار والمجموع ألف دينار (1) فما نقص فلا دية له، وكذلك ما زاد عليها، وفيه الحكومة إذا قلع منفرداً

    1. الظاهر انه لا خلاف -على الاقل بيننا- في ان الاسنان فيها دية كاملة وادعي عليه الاجماع كثيراً في كلماتهم وعدم الخلاف ايضاً والظاهر انه مورد اتفاق ويدل عليه الروايات التي سيأتي ذكرها

الذين ادعوا الاجماع وعدم الخلاف مقصودهم في المقام هو ان الدية الكاملة تقسم على الموجود من الاسنان اي على ثمانية وعشرين سناً بالطريقة التي ذكرها في المتن فالزائد حينئذ على الثمانية والعشرين لا دية له، وسيأتي البحث انه لا دية له اذا كسر منظماً واما اذا كسر منفردا فيه الحكومة كما سيأتي، كما ان الناقص لا دية له ومعناه أن الناقص ينقص بحسابه فاذا كان الناقص من المقاديم ينقص خمسون ديناراً من الدية ولكن يظهر من بعض الفقهاء المخالفة في ذلك، قال في المسالك ان الدية الكاملة على الاسنان سواء نقصت ام زادت، ويفهم من هذا ان الدية تعطى كاملة لما هو الموجود من الاسنان، بينما المعروف انه ينقص من الدية بحساب الناقص لكن كلمات الفقهاء تقريباً متفقة على المعنى الاول بمعنى ان الدية الكاملة ثابتة وانها تقسم على الثمانية وعشرين سناً بالتقسيم الذي ذكر في المتن فلكل سن مقدار من الدية فاذا كان موجوداً فكسر يأخذ مقداره وإن لم يكن موجوداً يسقط من الدية بمقداره، فالدية توزع على ثمانية وعشرين سناً لا على ما هو الموجود من الاسنان

ويستدل لذلك برواية الحكم بن عتيبة المذكورة في الكافي والتهذيب والفقيه، قال : قلت لابي جعفر (عليه‌السلام) : بعض الناس في فيه اثنان وثلاثون سنا ، وبعضهم له ثمانية وعشرون سنا ، فعلى كم تقسم دية الاسنان؟ فقال : ((الخلقة إنما هي ثمانية وعشرون سنا اثنى عشرة في مقاديم الفم وست عشرة في مواخيره ، فعلى هذا قسمة دية الاسنان ، فدية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم ، فديتها كلها ستة آلاف درهم ، وفي كل سن من المواخير إذا كسرت حتى تذهب فان ديتها مائتان وخمسون درهما وهي ست عشرة سنا فديتها كلها أربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمواخير من الاسنان عشرة آلاف درهم ، وإنما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمانية وعشرين سنا فلا دية له ، وما نقص فلا دية له ، هكذا وجدناه في كتاب علي عليه‌السلام))[1]

وقلنا سابقاً بأن سند الرواية ليس فيه مناقشة الا في الحكم بن عتيبة اذ ليس له توثيق فالخدشة من جهة الراوي المباشر وهذه الرواية هي مستند الفقهاء كما صرحوا بذلك وفيها خدشة في السند ومن هنا اغلبهم قال بأن ضعف السند مجبور بشهرة العمل بالرواية فالمشهور ذهب الى هذا التقسيم بل الاجماع مدعى على هذا التقسيم، فظاهرهم الاعتراف بضعف السند ولذا احتاجوا الى جبره بما ذكروه، وقد صرح المقدس الاردبيلي بضعف السند ولكن يوجد رواية اخرى والفقهاء اما غير ملتفتين لها او انهم يرون ضعفها سنداً ايضاً وهي رواية الشيخ الصدوق باسناده الى قضايا امير المؤمنين (عليه السلام) قال:

(( وقضى أمير المؤمنين (عليه‌السلام) في الأسنان التي تقسم عليها الدية أنها ثمانية وعشرون سنا ، ستة عشر في مواخير الفم واثنا عشر في مقاديمه ، فدية كل سن من المقاديم إذا كسر حتى يذهب خمسون دينارا فيكون ذلك ستمائة دينار ، ودية كل سن من المواخير إذا كسر حتى يذهب على النصف من دية المقاديم خمسة وعشرون دينارا فيكون ذلك أربعمائة دينار فذلك ألف دينار ، فما نقص فلا دية له وما زاد فلا دية له))[2] وهذه الرواية تعامل معها جماعة من الفقهاء معاملة المرسلة لكنها في الواقع ليست مرسلة لانه في مشيخة الفقيه ذكر طريقه الى قضايا امير المؤمنين (وما كان فيه متفرقا من قضايا أمير المؤمنين (عليه‌السلام) فقد رويته عن أبي ، ومحمد بن الحسن رضي‌الله‌عنهما عن سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه‌السلام))[3]

وهو طريق معتبر فكل الرجال الموجودين في هذا الطريق ليس فيهم كلام الا ابراهيم بن هاشم وهو من الثقاة بل الاجلاء ودلالتها واضحة على ما ذهب اليه المشهور ولكن الظاهر انهم بانين على انها مرسلة كما عبر عنها بذلك في مفتاح الكرامة والسيد في الرياض وجعلها في الجواهر مؤيدة لرواية الحكم بن عتيبة ولكن العكس هو الصحيح وحاول المقدس الاردبيلي تصحيحها بأن قول الصدوق وقضى امير المؤمنين من توابع الرواية التي قبلها، فقوله وقضى امير المؤمنين معطوفة على الرواية التي قبلها فهي تتمة لصحيحة عبد الله بن سنان التي رواها قبلها، وان لم تكن تتمة فهي مرسلة فتكون مؤيدة لرواية الحكم بن عتيبة، فاعتمادهم على رواية الحكم ولعلهم تجاوزوا ضعفها السندي لكونها مروية في الكتب الثلاثة وشهرة العمل بها بين الاصحاب

على كل حال فرواية الفقيه رواية صحيحة تكون دالة على ما ذهب اليه المشهور وتكون مدعومة برواية الحكم بن عتيبة وبرواية اخرى وهي رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((إذا قطع الانف من المارن ففيه الدية تامة ، وفي أسنان الرجل الدية تامة))[4] الا انها غير تامة سنداً لوجود محمد بن سنان في سندها

وفي المقابل توجد روايات تدل على انه لا تفاوت في الاسنان فانها سواء في الدية والغريب انها روايات متعددة وصحيحة السند

منها معتبرة ظريف ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : ((وفي الاسنان في كل سن خمسون ديناراً ، والاسنان كلها سواء))[5]

ومنها صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((الاسنان كلها سواء في كل سن خمسمائة درهم))[6]

وموثقة سماعة ، قال : سألته عن الاسنان ، فقال : ((هي سواء في الدية))[7]

فهنا ثلاث روايات تامة سندا تدل على ان الاسنان سواء في الدية ومن هنا تكون معارضة للروايات السابقة لانها تدل على التفاوت بين المقاديم والمواخير في الاسنان بل استفاد صاحب الوافي من الحديث الاول الدال على التسوية ان التسوية هي الصواب وهي الاصل لانه يقول بعد ذلك (وكان (الامام) قبل ذلك يقضى في الثنية خمسون ديناراً ، وفي الرباعية أربعون ديناراً ، وفي الناب ثلاثون ديناراً ، وفي الضرس خمسة وعشرون ديناراً ، فاذا اسودت السن إلى الحول ولم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون ديناراً ...))[8]

فكان التسوية هي لاصواب وكان الامام يفرق بينها تقية وكلام صاحب الوافي غير مقبول لانه لا يمكن حمل روايات التفاوت على التقية لأن العامة متفقون على التسوية وعلى كل حال فهناك تعارض بين هاتين الطائفتين من الروايات والمعروف بين المتأخرين هو تقديم روايات الطائفة الاولى على الثانية لأنها مخالفة للعامة فقالوا بأن العامة اتفقوا على التسوية فتكون رواية الحكم بن عتيبة ورواية الشيخ الصدوق التي ينقلها عن قضايا امير المؤمنين مخالفة للعامة فتقدم على الروايات الدالة على التسوية

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص343، أبواب ديات الاعضاء، باب38، ح2، ط آل البيت.
[2] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص136.
[3] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص526-527.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص286، أبواب ديات الاعضاء، باب1، ح8، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص297، أبواب ديات الاعضاء، باب8، ح1، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص298، أبواب ديات الاعضاء، باب8، ح2، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص298، أبواب ديات الاعضاء، باب8، ح5، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص297، أبواب ديات الاعضاء، باب8، ح1، ط آل البيت.