الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية اللسان

(مسألة 286): لو جنى على شخص فذهب بعض كلامه بقطع بعض لسانه أو بغير ذلك فأخذ الدية ثمّ عاد كلامه، قيل: تستعاد الدية، ولكنّ الصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان العود كاشفاً عن أنّ ذهابه كان عارضيا ولم يذهب حقيقةً، وبين ما إذا ذهب واقعاً، فعلى الأوّل: تستعاد الدية، وأمّا على الثاني: فلا تستعاد (1)

(مسألة 287): لو كان اللسان ذا طرفين كالمشقوق فقطع أحدهما دون الآخر كان الاعتبار بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا دية مقدّرة وفيه الحكومة، وإن نطق ببعضها دون بعض أُخذت الدية بنسبة ما ذهب منها (2)(مسألة 288): في قطع لسان الطفل الدية كاملة (3)، وأمّا إذا بلغ حدّا ينطق مثله وهو لم ينطق فإن علم أو اطمأنّ بأنّه أخرس ففيه ثلث الدية (4)، وإلّا فالدية كاملة

    1. مقسم المسألة ما اذا ذهب بعض كلامه، وهذا تارة يذهب بقطع بعض اللسان واخرى بلا قطع اللسان

وقلنا بان القائل بان الدية تستعاد هو الشيخ الطوسي (قده) وهو يفرض المسألة في خصوص صورة ما اذا ذهب بعض كلامه لا بقطع اللسان، وعلله بقوله (لأنه لما نطق بعد ان لم ينطق علمنا ان كلامه ما كان ذهب ولو كان ذاهباً ما عاد لأن انقطاعه بالشلل والشلل لا يزول) وهذه العبارة موجودة عند الشافعي (وليس كذلك اذا نبت لسانه فإنا نعلم انه هبة مجددة من الله تعالى ولهذا لم ترد الدية) اي لو كان ذهاب الكلام بقطع اللسان ثم نبت اللسان يعني اذا كان ذهاب بعض الكلام بقطع اللسان وقلنا ظاهر كلامه بأن الحكم بالاستعادة مختص بصور كون الجناية موجبة لذهاب الكلام من غير ان يقطع اللسان واما اذا كانت بقطع اللسان ثم نبت لسانه وعاد الكلام فلا تستعاد الدية لان هذا هبة مجددة من الله تعالى لأن العادة جارية بأن اللسان اذا ذهب لا يعود فإذا عاد فهذا ليس هو الذاهب بل هو شيء جديد بخلاف النطق فإنه اذا عاد كشف ان الذهاب كان ذهاباً ظاهرياً لا حقيقياًوالقول الآخر في المسألة هو عدم الاستعادة وهو مختار الشيخ في الخلاف في نفس فرض المسألة، واستدل لعدم استعادة الدية بأن أخذ الدية كان بحق، يعني أنه لما أخذ الدية أخذها بحق فالاستعادة تحتاج الى دليل لأن الاصل بقاء الاستحقاق، فذهب الى عدم الاستعادة في الخلاف والصحيح في المقام هو ما ذهب اليه الشيخ الطوسي في المبسوط من التفصيل بين الجناية الموجبة لذهاب بعض النطق بغير القطع فيحكم بالاستعادة باعتيار ان عود النطق يكشف عن عدم ذهابه حقيقة وبين ما اذا كانت الجناية على اللسان موجبة لذهاب بعض النطق بالقطع فيحكم بعدم الاستعادة، والسر فيه هو انه اذا كانت الجناية الموجبة لذهاب بعض النطق بغير القطع فإن عود النطق يكشف ان النطق لم يذهب حقيقة وانما ذهب ذهاباً عارضياً لان عود النطق مع بقاء اللسان على رسله يكشف ان ذهاب النطق كان عارضياً أي لعلة عارضة فالمجني عليه لا يستحق الدية فتستعاد منه الدية لأن الدية تترتب على ذهاب النطق حقيقة لا على ذهاب النطق صورة وظاهراً فهو لا يستحق الدية واما في ما اذا كانت الجناية موجبة لذهاب بعض النطق بالقطع فهنا لا تستعاد الدية باعتبار ان عود النطق بعد قطع اللسان لا يكون الا بفرض عود اللسان فتأتي هنا مسألة انبات الله تعالى له وهذه هبة جديدة من الله تعالى فما اعطاه الله غير الاول الذاهب فما استحقه من الدية على الاول لا يرتفع فلا تستعاد منه الدية اذا بنينا على ما يقوله الشيخ الطوسي من التفصيل بين الصورتين -والظاهر انه الاقرب- يظهر ان تعميم فرض المسألة للصورتين كما في المتن لا يتلائم مع مختار السيد الماتن من التفصيل بين ما اذا كان عود النطق كاشفاً عن ان ذهابه كان عارضياً فتستعاد الدية وبين ما اذا كان ذاهباً واقعاً فلا تستعاد الدية؛ لأن ظاهر كلامه أن هذا التفصيل الذي يذكره يجري في الصورتين المذكورتين في صدر المسألة وهذا ليس بتام باعتبار ان ذهاب النطق في الصورة الاولى وهي الجناية بغير القطع يكون دائماً عارضياً فدائماً عود النطق مع بقاء اللسان يكشف عن أن ذهابه كان عارضياً كما انه في الصورة الثانية وهي ما اذا كان ذهاب النطق بقطع اللسان دائماً يكون ذهاب النطق حقيقياً لا عارضياً فتعميم المسألة للصورتين لا ينسجم مع هذا التفصيل فالصحيح هو التفصيل بين الصورتين اللذين ذكرهما الشيخ لا التفصيل بين كون الذهاب عارضياً وبين كونه حقيقياً بان نقول بان ذهاب النطق اذا كان بقطع اللسان فلا تسترد الدية ويعلل بأن ذهابه كان حقيقياً وبين ما اذا كان ذهاب بعض النطق لا بالقطع فتسترد الدية ويعلل بأن الذهاب كان عارضياً واضح ان في هذه المسألة توجد صور ثلاثة

الصورة الاولى: ما اذا نطق بجميع الحروف، فقطع الطرف لم يؤثر على نطقه بشيء وذكر الفقهاء هنا ان بقاء النطق يكشف عن زيادة الطرف المقطوع، وتقدم الكلام عن صورة قطع بعض اللسان الصحيح اذا لم يوجب ذهاب النطق اصلاً وانتهينا هناك الى الحكومة فانه لا مقدر له شرعاً، والظاهر ان هذه الصورة التي نتكلم عنها حكمها هذا الحكم كما ذكره في المتن لنفس السبب المتقدم الذي ادخلنا به تلك الصورة في الحكومة وهو انه لا مقدر لها شرعاً

الصورة الثانية: ما اذا لم ينطق بالجميع وهذا يدخل في ذهاب منفعة النطق وسيأتي في ديات المنافع أن فيه الدية كاملة وهناك لا يفرق في ثبوت الدية كاملة بين أن يكون ذهاب المنفعة بالضرب على الرأس وبين ان يكون بقطع بعض اللسان ففيه الدية كاملة بمقتضى تلك الادلة، والقدر المتيقن من ايجاب الدية كاملة كما هو مورد الروايات هو ما اذا ضربه على رأسه فذهب منفعة النطق بينما في محل الكلام قطع بعض اللسان فالاحتمال الذي قد يتصور انه قد يجب فيه اكثر من الدية، وسياتي انه في استئصال اللسان المؤدي الى ذهاب تمام المنفعة فيه دية لا اكثر فقطع بعض اللسان المؤدي الى ذهاب تمام المنفعة لا يتصور ان يكون فيه اكثر من دية من باب اولى

الصورة الثالثة: ما اذا نطق ببعضها دون بعض والحكم فيها هو ما تقدم في قطع اللسان الصحيح مع ذهاب النطق كلاً او بعضاً وهو انه يحاسب بحروف المعجم ويعطى الدية بحساب ما لا يفصح منها

المراد بالطفل في المقام هو الطفل الذي لم يبلغ حد النطق، اما الطفل الذي بلغ حد النطق ولم ينطق فله حكم آخر سيأتي التعرض له وثبوت الدية في قطع لسان الطفل الذي لم يبلغ حد النطق مما لا خلاف فيه ظاهراً واستدل له باطلاق ما دل على وجوب الدية في قطع اللسان وأصالة السلامة فالروايات الدالة على وجوب الدية في قطع اللسان ليس فيها ما يوجب الاختصاص مضافاً الى أصالة السلامة فإن الغالب والعادة انه سالم وانه اذا وصل الى حد النطق ينطق ادعي الاجماع وعدم الخلاف ان فيه ثلث الدية والظاهر ان هذه الدعوى من جهة الاطمئنان بأنه اخرس، وقد ذكروا ان ذلك من جهة غلبة الظن بالآفة لأنه بلغ حد النطق ولم ينطق، واما اذا لم يحصل مثل هذا الاطمئنان فإن في قطعه الدية كاملة تمسكاً باطلاق الدليل الدال على أن في قطع اللسان الدية كاملة والخارج من هذا هو لسان الأخرس والفروض عدم ثبوت أن هذا اخرس فكلام السيد الماتن وتفصيله هو نفسه كلام المشهور القائل بأنه اذا بلغ حد النطق ولم ينطق فيه ثلث الدية لغلبة الظن بالآفة