الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية اللسان

(مسألة 284): المشهور بين الأصحاب أنّ حروف المعجم ثمانية وعشرون حرفاً، وفيه إشكال، والأظهر أنّها تسعة وعشرون حرفاً (1)

    1. كون المشهور بين الاصحاب ان الحروف ثمانية وعشرون ذكره جماعة من اصحابنا منهم ابن فهد الحلي في المهذب البارع والشهيد في المسالك وصاحب كشف اللثام بل حكي في مفتاح الكرامة ان ظاهر المبسوط والخلاف والسرائر الاجماع عليه

وعلل بان الهمزة والالف حرف واحد، وهو رواية عن الخليل كما في كشف اللثام

واستدل للمشهور برواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ((أُتي أمير المؤمنين عليه‌السلام برجل ضرب فذهب بعض كلامه وبقي البعض ، فجعل ديته على حروف المعجم ، ثم قال : تكلم بالمعجم فما نقص من كلامه فبحساب ذلك ، والمعجم ثمانية وعشرون حرفا ، فجعل ثمانية وعشرون جزءا ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك))[1]

وفرض المسألة غير المسالة التقدمة لانه لم يفرض قطع العضو بل فرض ذهاب بعض المنفعة

وصحيحة عبد الله بن سنان -حسب نقل الفقيه-، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه ، فقال : ((يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي ثمانية وعشرون حرفا))[2]

وفي التنقيح الرائع ذكر ان رواية الثمانية وعشرين هي رواية الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين (عليه السلام) وهي اشهر وعليها الفتوى ولكن كل المعلقين والباحثين ذكروا انه لا توجد هكذا رواية، نعم في الفقه الرضوي هناك رواية تنص على ان حروف المعجم ثمانية وعشرون الا انه لا اعتبار بها ونوقش في الاستدلال بهاتين الروايتين بضعف السند في رواية السكوني لان طريق الشيخ الطوسي الى النوفلي فيه ابو المفضل الشيباني وابن بطة وهما ضعيفان

اما ابو المفضل فهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله الشيباني، قال النجاشي (كان من اول امره ثبتاً ثم خلط ورأيت جل اصحابنا يغمزونه ويضعفونه

وقال عنه الشيخ في الفهرست (كثير الرواية حسن الحفظ غير انه ضعفه جماعة من اصحابنا )، وقال عنه في رجاله (كثير الرواية الا انه ضعفه قوم

وقال عنه ابن الغضائري (وضاع كثير المناكير ورايت كتبه وفيها الاسانيد من دون المتون والمتون من دمن الاسانيد وارى ترك ما ينفرد به)

ومن مجموع هذا الكلام نستفيد انه ضعفه جماعة

واما ابن بطة وهو محمد بن جعفر بن احمد المؤدب فلم يذكره الشيخ لا في الرجال ولا في الفهرست وهذا محل تعجب لان كثير من الطرق تمر بهذين الرجلين، وقال عنه النجاشي (يتساهل في الحديث ويعلق الاسانيد بالاجازات وفي فهرست ما رواه غلط كثير) ونقل النجاشي عن ابن الوليد (انه كان ضعيف مخلطا في ما يسنده)

وهذه الامور اذا لم يثبت بها الضعف فلا اقل انه لا دليل على وثاقتهما وهذا يكفي في عدم تمامية السند اذا وقعا فيه واما صحيحة عبد الله بن سنان فنوقش فيها بأن الرواية مروية في الكافي وفي التهذيب بطريقين مختلفين وصحيحين والموجود فيهما تسعة وعشرون حرفاً ومن هنا يظهر مستند القول الآخر وهو صحيحة عبد الله بن سنان بناء على نقل الكافي والتهذيب، نعم في مجمع البرهان يقول انه مقتضى الوجدان وفي كشف اللثام انه المشهور عند اهل العربية والكلام يقع في ادلة القول المشهور: أما رواية السكوني فقد انفرد الطوسي بنقلها ورواها باسناده عن النوفلي عن السكوني وتقدم المناقشة في هذا وهو ان طريق الشيخ الى النوفلي ضعيف، ولكن بعض المحققين عبر عنها بالمعتبرة وقد يقال بامكان تصحيح الرواية اذا اثبتنا ان الرواية موجودة في كتاب السكوني باعتبار ان الشيخ يملك طريقاً صحيحاً الى السكوني وان لم ينقلها الشيخ عن كتابه فاذا اثبتنا وجودها في كتاب السكوني فيكفي طريق الشيخ الصحيح لكتاب السكوني في تصحيح الرواية وإن لم ينقلها عن السكوني لأن هذا طريق الى ما هو موجود في كتاب السكوني والمفروض ان الرواية موجودة في كتاب السكوني فهو طريق الى هذه الرواية واثبات وجودها في كتاب السكوني يكون لو احرزنا انها رواية للسكوني فلا بد انه يثبتها في كتابه والطريق الوحيد لذلك هو الاعتماد على نقل الشيخ الطوسي بالطريق الذي ذكره، لكن المفروض ان هذا الطريق ضعيف لا يمكن الاعتماد عليه ويمكن ان يقال بان الشيخ الطوسي وان بدأ السند بالنوفلي لكنه أخذ الرواية من كتاب السكوني وهذا أمر متعارف في كتب الحديث فالكليني يصدر منه هذا مراراً فهو يبدأ السند بشخص ويأخذ الرواية من كتاب شخص آخر ممن يقع في السند، مثلا يبدأ السند بشخص ولكنه اخذ الرواية من كتاب الحسين بن سعيد فيبدأ السند بذلك الشخص لأن طريقه الى الحسين بن سعيد يمر بهذا الشخص فهو أخذ الرواية من كتاب السكوني ولكن حيث ان طريقه الى السكوني يمر بالنوفلي ومنحصر بالنوفلي ذكر عن النوفلي عن السكوني، فاذا ثبت هذا تكون الرواية صحيحة ولكن هذا الفرض لا شاهد له وهو خلاف الظاهر فالمعروف ان الشيخ لو بدأ السند بشخص يعني انه أخذ الرواية من كتابه وهو هنا بدأ السند بالنوفلي والنوفلي له كتاب كما نصوا على ذلك ويبقى سؤال انه اذا كان أخذ الرواية من كتاب السكوني فلم لم يبدأ السند بالسكوني كما صنع في كثير من الروايات؟ ويبقى سؤال آخر وهو ان الشيخ في التهذيب روى عدداً من الروايات عن السكوني وروى روايات اخرى عن النوفلي عن السكوني وليس له اي رواية عن النوفلي عن غير السكوني، فدائما اذا بدأ بالنوفلي يقول عن السكوني، فهناك روايات يرويها عن السكوني مباشرة وروايات اخرى يبدأها بالنوفلي عن السكوني والمفروض انه يروي كل روايات السكوني بتوسط النوفلي، فلم هذا التقسيم في التهذيب فهذه الروايات اذا كانت موجودة في كتاب السكوني فلم لم يرويها عنه مباشرة كما في الطائفة الاولى؟فلا بد ان نفترض ان النوفلي في كتابه ذكر روايات عن السكوني غير موجودة في كتاب السكوني بمعنى ان السكوني حدث النوفلي بنوعين من الروايات: النوع الاول الروايات التي ذكرها السكوني في كتابه والنوع الآخر حدث بها النوفلي وهي غير مذكورة في كتابه، وهذه ذكرها النوفلي في كتابه وقد يفسر هذا ان الشيخ تارة يروي عن السكوني مباشرة ويروي عنه بتوسط النوفلي اخرى، ومن هنا يظهر ان تصحيح رواية السكوني لا يخلو من صعوبة والرواية الاخرى هي صحيحة عبد الله بن سنان وهناك اختلاف في نقلها وعلى هذا الاساس يقع التعارض في النقل فهي رواية واحدة، فقد يقال بتقديم نقل الشيخ الكليني الذي يقول انها تسعة وعشرون حرفاً باعتبار ما هو المعروف من انه اضبط من الشيخ الصدوق، مضافاً الى ان ما نقله الشيخ الطوسي في التهذيب يدعم نقل الكليني، فالشيخ ينقلها بطريق خاص به فاذا تم هذا التقديم نبني على التسعة والعشرين، واما اذا قلنا بان هذه الاضبطية غير واضحة فحينئذ يتساقط النقلان فيرجع الى الاصل وهو يقتضي ان يكون التقسيم على تسعة وعشرين حرفاً لانه الاقل والمتيقن، فما يحصل عليه المجني عليه من الدية عند تقسيمها على تسعة وعشرين اقل مما يحصل عليه من تقسيم الدية على ثمانية وعشرين، ويدفع الزائد باصالة البراءة

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص360، أبواب ديات منافع الاعضاء، باب2، ح6، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص358، أبواب ديات منافع الاعضاء، باب2، ح2، ط آل البيت.