الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/03/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية اللسان

السادس: اللسان وفي استئصال اللسان الصحيح الدية كاملة، وفي قطع لسان الأخرس ثلث الدية، وفيما قطع من لسانه فبحسابه‌ مساحةً، وأمّا في اللسان الصحيح فيحاسب بحروف المعجم، ويعطى الدية بحساب ما لا يفصح منها (1)

    1. كان الكلام في قطع بعض اللسان مو كونه مؤدي الى ذهاب النطق بحروف المعجم كلاً او بعضاً

قلنا ان الاقوال في المسألة عديدة ذكرنا قول المشهور من ان الاعتبار يكون بالمنفعة ولا علاقة للمساحة بالامر اطلاقاً فاذا فرضنا انه تمكن ان ينطق بثلاثة ارباع الحروف ولم يتمكن من النطق بالربع فعليه ربع الدية وان قطع نصف العضو فلا اعتبار بالمساحة بل الاعتبار بالمنفعة

والقول الثاني ان الاعتبار بالمساحة وهو المنسوب الى المحقق الاردبيلي

القول الثالث: ان يكون الواجب اكثر الامرين مع اختلاف الذاهب من العضو ومن المنفعة كما اذا قطع ربع اللسان وذهب نصف الكلام

والظاهر ان المسلم عندهم هو التداخل في صورة الاتحاد فلا تتعدد الدية، والكلام في صورة الاختلاف والقول الثالث يقول يؤخذ باكثر الامربن من ذهاب العضو ومن ذهاب المنفعة فاذا كان الذاهب من العضو النصف والذاهب من الحروف الربع وجب دفع نصف دية اللسانواذا كان الذاهب من الحروف الثلثين ومن اللسان الثلث وجب دفع ثلثي الدية وهكذا

وهذا -على ما قيل- هو مختار العلامة في جملة من كتبه والشهيد في المسالك وهو ظاهر الشيخ في المبسوط حيث قال: (إذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو نصف اللسان فذهب ربع الكلام، كان فيه نصف الدية بلا خلاف)[1]

ومن هنا نسب الى الشيخ الطوسي انه يدعي عدم الخلاف في هذا القول لكن صاحب الجواهر استظهر عدم الخلاف بين العامة لانه قال بعده بلا فاصل واختلفوا في تعليله كما سوف ننقل عبارته، وفهم صاحب الجواهر من هذه العبارة انه ناظر الى العامة

واستدل لهذا القول بما في المسالك (بأن اللسان عضو متّحد في الإنسان فيه الدية من غير اعتبار الحروف، كما أن النطق بالحروف منفعة متّحدة فيها الدية من غير اعتبار اللسان، فإذا كان الذاهب من اللسان أكثر من الحروف وجب دية الزائد من حيث اللسان، و بالعكس)[2]

ويمكن ان يقال بأن هذا نفس المدعى فلإنسان أن يقول بأن مقتضى وجود دليل على ثبوت الدية في اللسان ووجود دليل اخر على ثبوت الدية في منفعة النطق هو اعتبار كل منهما عملاً بكلا الدليلين كما سوف يأتي في القول الرابع، فالشهيد لم يقم دليلاً على مدعاه

وذكر الشيخ في المبسوط بعد كلامه المتقدم (واختلفوا في تعليله منهم من قال الجناية إذا كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في أغلظ الأمرين، فإن كانت دية المنفعة أكثر أوجبتها و إن كانت دية ما أتلف أكثر أوجبتها)[3] وهذه مجرد دعوى

ثم قال: (وقال بعضهم إن قطع ربع لسانه و ذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبارا باللسان، وذلك أنه قد قطع الربع وشل ربع آخر بعد قطعه، لأنا اعتبرنا ذلك بالحروف، فوجدناها نصف الكلام، فعلمنا أنه قطع الربع وشل الربع الآخر، فأوجبنا نصف الدية ربعها بقطع ربعه، وربعها بشلل ربعه)[4]

ولا يخفى ان ما ذكر لا يتجه مع وجود الرواية المعتبرة الدالة على ان الاعتبار في قطع اللسان الموجب لذهاب الكلام بحروف المعجم وهي الموثقة المتقدمة وموردها قطع اللسان مع ذهاب حروف المعجم وذكرت ان الاعتبار بالحروف وليس فيها ذكر للمساحة اصلاً من دون فرق بين كون الذاهب من العضو ازيد مما ذهب من الكلام او مساوي له او اقل، ومع وجود هذه الرواية التي قلنا بانها تامة سنداً وظاهرة الدلالة لا يتجه هذا الكلام بل يكون اشبه بالاجتهاد في مقابل النص

القول الرابع: وجوب الأخذ بمجموع الامرين اي وجوب دية للذاهب من اللسان بالمساحة ودية اخرى للذاهب من الحروف بالنسبة

وهو مختار صاحب الرياض -على انه نسب اليه القول الثالث- واستدل له بقوله: (أخذاً بالأصل الدالّ على لزوم ديتي الجارحة والمنفعة وأبعاضهما بالنسبة ، خرج منهما القدر المتداخل فيه بشبهة الإجماع ، والأولوية المستفادة من ثبوت التداخل باستئصال الجارحة اتفاقاً فتوًى ورواية ، ففي البعض أولى ويبقى الزائد عنه مندرجا تحته)[5]

فكأنه يقول إن مقتضى الاصل هو الأخذ بكلا الدليلين، والظاهر والله العالم ان مراده من الاصل هو اصالة عدم التداخل فلدينا دليل يقول بان قطع اللسان فيه الدية ولدينا دليل يقول ان اذهاب المنفعة فيه الدية فيجب العمل بكلا الدليلين عملاً بالاصل الا اذا قام الدليل في مورد على التداخل فنرفع اليد عن الاصل، والدليل دل على التداخل في صورة تساوي الذاهب منهما وهو ما اذا قطع نصف اللسان فذهب نصف الكلام او قطع ربع اللسان وذهب ربع الكلام وهكذا، والاولوية القطعية المستفادة من ثبوت الدية الثابتة في استئصال الجارحة بالاتفاق مع ان قطع اللسان من اساسه قطع للجارحة واذهاب للمنفعة وهنا دل الدليل بالاتفاق فتوى ودليلاً ان فيه دية واحدة فاذا ثبت التداخل في استئصال اللسان فيثبت التداخل بالاولوية القطعية في قطع بعض اللسان اذا كان الذاهب منه مساوي للذاهب من المنفعة وهذان الدليلان هما الدليلان على خروج صورة تساوي الذاهب منهما من اصالة عدم التداخل واما في صورة اختلاف الذاهب منهما فلا دليل على اخراجها من الاصل فتبقى مشمولة للاصل اقول إن هذا الكلام متين جداً ويتعين الالتزام به لأنه على القاعدة، لولا الموثقة المتقدمة فاذا ناقشنا في الموثقة ولم نقبلها فهذا القول هو المتعين ولكن الموثقة المتقدمة تخرج موردها عن أصالة عدم التداخل فهي تدل على الاكتفاء بدية واحدة مع أن موردها هو اجتماع الامران من ذهاب العضو وذهاب المنفعة تدل على أن الاعتبار بحروف المعجم فقط ففي صورة اجتماع الامرين نخرج بالموثقة عن أصالة عدم التداخل، والسيد في الرياض بعد ان ناقش الموثقة واهملها فكلامه متين اللهم الا ان يدعي انسان بان الموثقة تحمل على صورة تساوي الذاهب منهما، فصحيح انها لم تصرح بالتساوي ولكن نحملها على ما اذاكان الذاهب من اللسان بمقدار الذاهب من الكلام وقلنا بان وهذه الصورة لا كلام فيها، فالتداخل فيها مسلم للاجماع او للاولوية، واذا حملنا الموثقة على صورة تساوي الذاهب فتبقى صورة الاختلاف وعدم التساوي داخلة تحت الاصل، وحيث ان هذه الصورة هي المقصودة في المقام حينئذ تبقى هذه الصورة مشمولة لاصالة عدم التداخل ويصح فيها القول الرابع ولكن الظاهر ان هذا الحمل خلاف اطلاق الموثقة فان موردها صورة اجتماع ذهاب العضو مع ذهاب المنفعة ولكن الاجتماع له صور فتارة يكون تساوي في الذاهب منهما واخرى يكون اختلاف في الذاهب منهما ومقتضى اطلاق الموثقة شمولها لكلتا الصورتين وليس فيها ما يوجب تقييدها واختصاصها بصورة تساوي الذاهب منهما، نعم هي تختص بصورة اجتماعهما فالخارج من الاصل ليس فقط صورة تساوي الذاهب منهما وانما هذه الصورة وصورة اختلاف الذاهب منهماوتبين من خلال هذا البحث ان الاقرب من هذه الاقوال والله العالم هو القول الاول الذي اختاره السيد الماتن تبعاً للمشهور وهو ان الاعتبار يكون بالمنفعة والذاهب من حروف المعجم ولا اعتبار بالمساحة نعم اذا فرضنا ان قطع اللسان كان لا يؤدي الى اختلال المنفعة هنا يكون الاعتبار بالمساحة كلسان الاخرس ولكن كلامنا في ما اذا اوجب القطع ذهاب المنفعة كلاً او بعضاً

 


[1] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج7، ص134.
[2] مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشهيد الثاني، ج15، ص417.
[3] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج7، ص134.
[4] المبسوط في فقه الإمامية، الشيخ الطوسي، ج7، ص134-135.
[5] رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدّلائل، الطباطبائي، السيد علي، ج16، ص452-453.