الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/ دية اللسان

السادس: اللسان وفي استئصال اللسان الصحيح الدية كاملة، وفي قطع لسان الأخرس ثلث الدية (1)، وفيما قطع من لسانه فبحسابه‌ مساحةً (2)، وأمّا في اللسان الصحيح فيحاسب بحروف المعجم، ويعطى الدية بحساب ما لا يفصح منها (3)

    1. بعد ان عرفنا انه في قطع لسان الصحيح الدية كاملة، يقع الكلام في قطع لسان الاخرس وقال ان فيه ثلث الدية والظاهر انه لا خلاف في ذلك بل عن ظاهر المبسوط والسرائر الاجماع عليه كما ذكره في الجواهر

ويدل عل ذلك صحيحة بريد بن معاوية ، عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال «في لسان الاخرس وعين الاعمى وذكر الخصي وأنثييه ثلث الدية»[1] وهي تامة سنداً وواضحة دلالة

وقد يستدل في محل الكلام بصحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر (عليه‌السلام) قال : سأله بعض آل زرارة عن رجل قطع لسان رجل أخرس؟ فقال : «إن كان ولدته امه وهو أخرس فعليه ثلث الدية ، وإن كان لسانه ذهب به وجع أو آفة بعد ما كان يتكلم فان على الذي قطع لسانه ثلث دية لسانه»[2] والاستدلال بها مبني على نقل الكافي للرواية ونقل الطوسي لها في التهذيب لانهما نقلاها بالشكل الذي ذكره صاحب الوسائل

ولكن تقدم بحث هذه الرواية سابقاً وقلنا ان الشيخ الصدوق رواها ((ان كان ولدته امه وهو اخرس فعليه الدية)) وحينئذ لا يصح الاستدلال بها في محل الكلام بل تكون دليلاً على انه لا فرق بين لسان الاخرس ولسان غيره في ان فيه الدية كاملة، وتقدم الكلام عنها في (مسالة 281) وانتهينا الى ان هذه الرواية مجملة ويصعب الاستدلال بها في محل الكلام ويكفي لاثبات الحكم في محل الكلام مضافاً الى الاتفاق على ان في لسان الاخرس ثلث الدية التمسك بصحيحة بريد بن معاوية ويمكن التمسك باطلاقها لاثبات هذا الحكم في الخرس الاصلي والخرس العارضي نعم اذا استدللنا بصحيحة ابي بصير اذا كانت تامة ودلالتها واضحة تكون مقيدة لهذا الاطلاق لانها فصلت بين الخرس الاصلي والخرس العارضي وعلى كل حال يكفي في الاستدلال في المقام التمسك بصحيحة بريد بن معاوية ولا مانع من التمسك باطلاقها لاثبات الحكم في الخرس الاصلي والخرس العارضي

    2. فاذا قطع من لسان الاخرس نصفه يثبت فيه نصف ثلث الدية واذا قطع منه ربعه فيثبت فيه ربع ثلث الدية وهكذا، اما هذا الحكم وهو انه بحسابه فالظاهر انه لا خلاف فيه في لسان الاخرس وقد تقدم الكلام عن نظائر ذلك في الاذنين والشفتين والظاهر ان هذا الحكم على القاعدة

والقاعدة نستكشفها من هذه النصوص الواردة في الاذنيين والشفتين وحينئذ لا فرق بين تلك الموارد وبين ما نحن فيه اي في اللسان فاذا ثبت ان في لسان الاخرس ثلث الدية فاذا قطع نصفه يثبت فيه نصف الثلث كما هو الحال في الاذن والشفة وقد قلنا بان النصوص وردت في ذلك في الاذنين والشفتين،كما ان الحكم متفق عليه ايضاً وذكر السيد الخوئي بان هذا لا مقدر له شرعا فتئبت فيه الحكومة وهي تقتضي ذلك اي يكون بحسابه من الديةعلى كل حال الظاهر انه لا اشكال في هذا الحكم كما تقدم في نظائره في لسان الاخرس اذا قطع بعضه يكون الاعتبار بحسابه من المساحة، بينما لسان الصحيح اذا قطع منه فيكون الاعتبار بحروف المعجم ويعطى الدية بمقدار ما لا يفصح منها فإن عجز عن نصف حروف المعجم فيستحق نصف الدية الكاملة واذا عجز عن ربع حروف المعجم يستحق ربع الدية الكاملة فالاعتبار ليس بالمساحة، فلو فرضنا انه قطع نصف اللسان وعجز عن النطق بثلاثة ارباع حروف المعجم يستحق ثلاثة ارباع الدية وفرض المسألة في محل الكلام ما اذا اوجب قطع اللسان ذهاب حروف المعجم كلاً او بعضاً، واما لو فرضنا انه لا يوجب ذهاب حروف المعجم فهذا الفرض خارج عن محل الكلام لأن الدية هنا تكون باعتبار المساحة وهنا يكون الاعتبار بالمساحة ايضاً فيما اذا فرضنا ان قطع لسان الصحيح لا يوجب ذهاب النطق وحروف المعجم ومحل الكلام هو قطع العضو اذا اذهب المنفعة كلاً او بعضاً وذكر السيد الماتن ان الدية تكون باعتبار ما فات من حروف المعجم وان المدار على ذهاب المنفعة ولا اعتبار للمساحة، وما ذكره احد الاقوال في المسألة وهو مختار الشيخين في المقنعة والنهاية وسلار في الوسيلة والمحقق ونسب الى الاكثر ونسب الى المشهور

ويستدل له بموثقة سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قلت له : رجل ضرب لغلام ضربة فقطع بعض لسانه فأفصح ببعض ولم يفصح ببعض ، فقال : «يقرأ المعجم فما أفصح به طرح من الدية ، وما لم يفصح به الزم الدية ، قال : قلت : كيف هو؟ قال : على حساب الجمل : ألف ديته واحد ، والباء ديتها اثنان ، والجيم ثلاثة ، والدال أربعة ، والهاء خمسة ، والواو ستة ، والزاء سبعة ، والحاء ثمانية ، والطاء تسعة ، والياء عشرة ، والكاف عشرون ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، والنون خمسون ، والسين ستون ، والعين سبعون ، والفاء ثمانون ، والصاد تسعون ، والقاف مائة ، والراء مائتان ، والشين ثلاثمائة ، والتاء أربعمائة وكل حرف يزيد بعد هذا من ألف ب ت ث زدت له مائة درهم»[3] والرواية معتبرة وان كان فيها العبيدي فهو عندنا وربما عند الاكثر ثقة، والاستدلال بهذه الرواية في محل الكالم يلاحظ عليه:

اولاً: انهم قالوا بانه توجد عندنا في ديات المنافع روايات كثيرة واردة في ذهاب منفعة اللسان وتدل على ان الاعتبار بحروف المعجم وجمعها في الوسائل في الباب الثاني من ابواب ديات المنافع وهي روايات عديدة،

منها صحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) في رجل ضرب رجلا في رأسه فثقل لسانه «أنه يعرض عليه حروف المعجم كلها ، ثم يعطى الدية بحصة ما لم يفصحه منها»[4]

ومنها ما رواه عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) ، في رجل ضرب رجلا بعصا على رأسه فثقل لسانه، فقال : «يعرض عليه حروف المعجم فما أفصح ، وما لم يفصح به كان عليه الدية ، وهي تسعة وعشرون حرفا»[5]

وهكذا في باقي روايات الباب فهي واردة في اذهاب منفعة اللسان وان الاعتبار يكون بحروف المعجم، والملاحظة تقول ان موثقة سماعة التي استدل بها على القول الاول هي داخلة في هذا الباب فليس موردها قطع اللسان وانما موردها ذهاب المنفعة، فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام لاننا نتحدث عن قطع العضو اذا اوجب ذهاب المنفعة وتلك الروايات تقول اذا اذهب المنفعة يكون الاعتبار بحروف المعجم، وهذا لا يعني انه اذا قطع العضو واوجب ذهاب المنفعة يثبت به ذلك، فلعله يثبت فيه دية قطع العضو مع دية ذهاب المنفعة وموثقة سماعة وان صرح فيها بقطع بعض اللسان ولكن ليس المراد القطع الحقيقي للعضو وانما المراد انه اذهب منفعة اللسان اي اذهب نطقه فتكون من قبيل الروايات التي قرأناها ولا يصح الاستدلال بها في محل الكلام

اولاً لتعارف اطلاق اللسان على الكلام والنطق فيقال فلان لسانه فصيح اي كلامه فصيح او فلان لسانه افصح من لسان فلان

وثانياً ان الموجود في بعض نسخ الرواية (طرف لغلامه طرفة) لا ضرب وذكر ابن الاثير (طرف، ان اصل الطرف الضرب على طرف العين ثم نقل الى الضرب على الرأس)، ففرض في الرواية انه ضرب على رأسه ومن الواضح ان الضرب على الرأس يؤدي الى ثقل في اللسان واذهاب المنفعة بعضاً لا انه يؤدي الى قطع اللسان

فتكون الرواية من ادلة ان الاعتبار يكون بحروف المعجم في حالة اذهاب المنفعة فقط من دون قطع العضو وهذا غير محل الكلام

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص336، أبواب ديات الاعضاء، باب31، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص336، أبواب ديات الاعضاء، باب31، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص360، أبواب ديات منافع الاعضاء، باب2، ح7، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص358، أبواب ديات منافع الاعضاء، باب2، ح1، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص258، أبواب ديات منافع الاعضاء، باب2، ح2، ط آل البيت.