الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء/

(مسألة 282): لو قلع عين شخص وادّعى أنّها كانت قائمة لا تبصر، وادّعى المجنيّ عليه أنّها كانت صحيحة، ففيه قولان، والأظهر أنّ القول قول المجنيّ عليه مع يمينه (1)

    1. ذكرنا ان الاقوال في المسألة ثلاثة وبقي الاستدلال عليها

اما القول الاول الذي يفصل بين الفرض الاول والثاني فاستدل لتقديم قول الجاني في الفرض الاول وهو فرض ما اذا ادعى بانها كانت عمياء من اصلها باصالة البراءة عن اشتغال الذمة بازيد من الثلث الذي يدعيه المجني عليه، ويكون قول الجاني موافقاً لهذا الاصل فيكون منكراً فيقدم قوله مع يمينه وذكر الشيخ الطوسي في المبسوط بان هذا مما لا يتعذر على المجني عليه اقامة البينة به فان هذا لا يخفى على اهله وعشيرته وجيرانه، ولكن العمدة هي اصالة البراءة واستدل لتقديم قول المجني عليه في الفرض الثاني ما اذا اعترف الجاني بانها كانت صحيحة لكنها صارت عمياء قبل الجناية باصالة السلامة وعبر عنها السيد الماتن باصالة الصحة فان الاصل في الانسان بل في كل شيء ان يكون سالماً لا يكون معيباً فيكون قوله موافقاً لهذا الاصل فيكون منكراً ويقدم قوله مع يمينه والمراد بأصالة السلامة ان الغالب والراجح هو السلامة وان خلافها يحتاج الى اثبات، وحينئذ لا بد من بيان وجه عدم جريان اصالة السلامة في الفرض الاول فيمكن ان يدعى بان الغالب في الانسان ان يولد بصيراً وان ولادته اعمى خلاف الاصل كما هو الحال في عروض العمى بعد البصر والصحيح هو ان اصالة السلامة اذا جرت في الفرض الثاني لا بد ان تجري في الفرض الاول لعدم الفرق بينهما، كما ان اصالة البراءة اذا جرت في الفرض الاول لا بد ان تجري في الفرض الثاني لعدم الفرق بينهما ومنه يظهر وجه القول الثاني القائل بتقديم قول الجاني مطلقاً في كلا الفرضين فانه يتمسك باصالة البراءة عما زاد عن الثلث كما يدعيه المجني عليه كما اشار اليه الشيخ في المبسوط فالجاني ينكر ما يدعيه المجني عليه من الصحة حين القلع، كما يظهر مما تقدم وجه القول الثالث وهو اصالة السلامة والصحيح ان يقال ان اصالة البراءة وان جرت في كلا الفرضين وهي تقتضي تقديم قول الجاني ولكنها معارضة باصالة السلامة التي تقتضي تقديم قول المجني عليه وهي اصل ثابت بنى عليه العقلاء عند الشك في كون الشيء صحيحاً او معيباً، وعلى هذا الاساس يقدم قول البائع اذا ادعى المشتري وجود عيب في المعيب لان قوله موافقاً لاصالة الصحة وهذا الاصل يقدم على اصالة البراءة بلا اشكال لانه يكون حاكماً عليه فهو من الاصول التي تكون مقدمة على اصالة البراءة فتكون اصالة السلامة جارية في الفرضين وهذا شيء يمكن ان يستند اليه لاثبات القول الثالث بل يمكن الاستناد لتقديم قول المجني عليه في الفرض الثاني -وهو ما اذا اعترف الجاني بان العين كانت صحيحة سابقاً ثم طرأ العمى عليها قبل الجناية- الى الاستصحاب، فانه يثبت انها كانت صحيحة قبل الجناية بالاستصحاب وهو يوافق قول المجني عليه ويقتضي تقديم قوله على قول الجاني ولا اشكال في كون الاستصحاب مقدماً على اصالة البراءة وذكر السيد الماتن (قده) انه يمكن تقديم قول المجني عليه في كلا الفرضين استناداً الى استصحاب عدم كونها عوراء، بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي كما هو الصحيح،

(ببيان: أنّ مقتضى الإطلاقات هو أنّ في قلع العين الدية والخارج عنها بدليل هو العين العوراء، فإذا شكّ في اتّصاف العين بهذا الوصف استصحب عدمه، وبضمّه إلى الوجدان يثبت الموضوع لتمام الدية وهو العين التي لم تكن عوراء. ولا يعارضه استصحاب عدم اتّصافها بالإبصار، لأنّه لا يثبت العمى وبدونه لا أثر له)[1]

لان الغرض من استصحاب عدم كونها صحيحة هو اثبات ان الجاني عليه ثلث الدية وهذا لا يثبت بهذا الاستصحاب لان موضوع الحكم بثلث الدية هو العين العوراء وهذا لا يمكن اثباته باستصحاب عدم كونها صحيحة الا على الاصل المثبت فلا يجري هذا الاستصحاب بخلاف استصحاب عدم كونها عوراء فان الاثر يترتب على هذا الاستصحاب بلا واسطة وما ذكره يمكن ان يلاحظ عليه بان الادلة الدالة على ان دية العين هي نصف الدية الكاملة ليس واضحاً انها عامة تشمل العين الصحيحة والعين العوراء ثم يأتي دليل يخرج منها العين العوراء فيتغير الموضوع، فان ما ذكر مبني على ان الدليل الاول عام يشمل العين الصحيحة والعين العوراء واخرج منه العين العوراء بما دل على ان فيها ثلث دية العين الصحيحة وليس واضحاً ان الادلة الدالة على ان دية العين نصف الدية الكاملة مطلقة بل يحتمل انها مختصة بالعين الصحيحة فما يفهم من الدليل انها مختصة بالعين الصحيحة فعندما يقول الدليل ان العين اذا فقأت فان فيها نصف الدية فهو ظاهر في انه افترض العين صحيحة فيبدو ان الامر ليس بهذا الوضوح فكانه يتحدث عن عين صحيحة اذا احدث فيها عيب واوجب ذلك زوال البصر منها فيجب فيها خمسمائة دينار فيكون الدليل الدال على ان في العين نصف الدية مختصاً بالصحيحة، وفي قباله دليل يقول ان في العين العوراء ثلث دية الصحيحة لا ان هذا استثناء واخراج من الدليل الاول فلا يتم ما ذكره السيد الخوئي (قده)، فيبقى الحكم بكون الدية خمسمئة دينار موضوعه العين الصحيحة وهذا الموضوع لا يمكن اثباته باستصحاب عدم كونها عوراء بنحو العدم الازلي الا بناء على الاصل المثبت، لان كون الاستصحاب المذكور يترتب عليه اثر وليس اصلاً مثبتاً مبني على ان يكون الدليل الدال على ان العين العوراء فيها ثلث دية العين وهي صحيحة استثناءً مما دل على ان العين فيها نصف الدية

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص346.