الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء

الأوّل: الشعر ففي اللحية إذا حلقت فإن نبتت ففيه ثلث الدية، وإن لم تنبت ففيه الدية كاملة (1) وفي شعر الرأس إذا ذهب فإن لم ينبت ففيه الدية كاملة (2)

    1. كان الكلام في حلق شعر اللحية وانه مع عدم الانبات ففيه الدية كاملة وقلنا انه استدل عليه بروايات ذكرناها وذكرنا ما في الاستدلال بها وانتهى الكلام الى الاستدلال على ذلك بالقاعدة المعروفة ان ما كان في الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة وقلنا بان الكلام يقع اولا في اصل القاعدة وثانيا في الاستدلال بها في المقام

والظاهر ان ما ذكرناه من الروايات يكفي في اثبات القاعدة وان كان هناك بعض الموارد ثبت خلاف بعض الاحكام في القاعدة وقلنا اذا ثبت ذلك بدليل صحيح يكون هذا استثناءً من القاعدة فنخرج بذلك الدليل عن مقتضى القاعدة واما تطبيقها في محل الكلام ففيه اشكال باعتبار احتمال ان يكون الواحد في الانسان من الشعر هو جملة الشعر عليه لا الشعر على بعض اعضائه، والا يكون الشعر على العانة واحداً فلا بد ان نذهب ان فيه تمام الدية والشعر على الصدر واحد وهكذا ولا اقل من احتمال ذلك وان الشعر الواحد على الانسان هو جملة الشعر عليه ومن هنا يظهر ان ما استدل به على هذا الحكم غير تام وظاهر الشيخ المفيد في المقنعة ان فيه مئة دينار وفي المسالك نسب اليه انه قال ان به رواية لكن هذا غير موجود في المقنعة المطبوعة، وعلى تقدير وجوده في المقنعة لا وجود لهذه الرواية ونحن استشكلنا في كون الحكم هو ثلث الدية مع الانبات فنرجع الى مقتضى القاعدة وهو الارش ومع عدم الانبات لا بد ان يلتزم بذلك ايضاًهذا هو المشهور ونقل الاجماع عليه عن ظاهر المبسوط في كتاب القصاص والغنية وفي الجواهر لم اجد فيه خلافاً يعتد به عدا ما تسمعه من المفيد

واستدل له بصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة -حسب نقل الفقيه (فانه لم يذكر الا شعر الراس فيها ولم يعطف عليه شعر اللحية)- قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجل صب ماء حار على رأس رجل فامتعط شعره فلا ينبت أبدا ، قال : (عليه الدية)[1]

وهذه الرواية لها مؤيدات

الاولى مرسلة علي بن خالد او علي بن حديد التي ينقلها الكافي عن العدة عن سهل بن زياد ، عن علي بن خالد، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قلت : الرجل يدخل الحمام فيصب عليه صاحب الحمام ماءاً حارا فيمتعط شعر رأسه فلا ينبت ، فقال : (عليه الدية كاملة)[2]

وايضا ما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن ابن أبي نصر، عن عيسى بن مهران ، عن أبي غانم ، عن منهال بن خليل ، عن سلمة بن تمام ، قال : أهرق رجل قدرا فيها مرق على رأس رجل فذهب شعره ، فاختصموا في ذلك إلى علي (عليه‌السلام) ((فأجله سنة فجاء فلم ينبت شعره ، فقضى عليه بالدية))[3] فهي ظاهرة في ان الذي ذهب شعر الراس

الدليل الثاني: ما ذكره في السرائر والمختلف وغيرهما بان هذا واحد في الانسان فيدخل تحت القاعدة المتقدمة فتثبت فيه الدية كاملة

اقول ان الدليل الثاني تقدم النقاش فيه فان اصل القاعدة ثابت لكن تطبيقها في محل الكلام ليس بصحيح لان الظاهر ان الواحد من الشعر في الانسان هو جملة الشعر الموجود على بدنه فالعمدة هي صحيحة سليمان بن خالد وتقدم انها مروية في التهذيب باضافة اللحية الى شعر الراس بينما في الفقيه لا يوجد فيها هذه الاضافة، وبحسب نقل التهذيب تكون الرواية ظاهرة في ان وجوب الدية لهما معاً لا لكل واحد منهما كما هو المدعى في محل الكلام فكيف يستدل بها في محل الكلام مع ان الظاهر ان الرواية واحدة

وقد اجاب السيد في الرياض وتبعه صاحب الجواهر عن هذا الاشكال بان هذا مبني على نسخة التهذيب واما نسخة الفقيه فهي خالية عن ذكر اللحية بالمرة فلا يرد هذا الاشكال على الاستدلال بها

ويلاحظ على هذا الجواب: اولاً ما تقدم من احتمال عود الضمير في (شعره) في نسخة الفقيه الى الرجل ولو باعتبار كونه الاقرب الى الضمير لا الى الراس، ففيها قابلية ان تشمل اللحية، وبناء على هذا الاحتمال يتحد مفادها مع مفاد نسخة التهذيب

اللهم الا ان يقال ان عوده الى الرجل لا يجعله ظاهراً في الشمول لشعر اللحية كما لا يجعله ظاهراً في شموله لشعر المواضع الاخرى من جسم الانسان والمتيقن منه شعر الراس، فلا يبعد انه يمكن التامل في هذه الملاحظة بما ذكرناه وثانياً: ان نسخة الفقيه التي استدل بها في المقام معارضة بنسخة التهذيب لان الرواية واحدة على الظاهر فالمقام من باب تعدد النسخ لا تعدد الروايات، فنسخة الفقيه معارضة بنسخة التهذيب ومع تعارض النقلين كيف يستدل باحدهما في المقام فلعل الثابت هو نسخة التهذيب وهي ظاهرة في ثبوت الدية لهما معا وبعبارة اخرى اننا لا نعلم ان السائل هل ذكر اللحية في سؤاله معطوفة على شعر الراس بالواو او لم يذكرها في السؤال والاستدلال بها في المقام مبني على الثاني وهو غير ثابت لاحتمال ان تكون مذكورة في السؤال كما في نسخة التهذيب نعم اذا كانتا روايتين امكن الاستدلال برواية الفقيه بل يمكن جعلها قرينة على ان الواو في رواية التهذيب بمعنى او لكنك عرفت ان المقام يدخل في باب تعدد النسخ لا في تعدد الرواية كما انه يمكن الاستدلال بنسخة الفقيه اذا رجحناها على نسخة التهذيب بدعوى انها اضبط كما ذكر في الرياض او باعتبار موافقتها للنصوص الاخرى في المسألة كما ذكر في الجواهر لكن لا يخفى ان ما ذكر لم يثبت بنحو يسوغ لنا الاستناد الى نسخة الفقيه لاثبات الحكم الشرعي فلم تثبت الاضبطية ولا ان الروايات توجب ترجيح هذه النسخة على تلك كما انه يمكن الاستدلال بهما اذا كانت الواو في نقل التهذيب بمعنى او فحينئذ يمكن الاستدلال بهما معاً فالاستدلال بنسخة الفقيه واضح لانها مختصة بشعر الراس بعد التامل في الملاحظة الاولى ونسخة التهذيب لان الواو فيها بمعنى او وذكر السيد الخوئي (قده) قرينة على ان الواو في نسخة التهذيب بمعنى او، وهذا الكلام يستبطن الاعتراف على ان حمل الواو على انها بمعنى او خلاف الظاهر، والقرينة هي ما دل على ثبوت الدية كاملة في اللحية مع عدم الانبات ومقصوده الروايات السابقة وعمدتها معتبرة السكوني، لان معنى ذلك ان ثبوت الدية كاملة في اللحية مع عدم الانبات لا يتوقف على انضمام شعر الراس اليها وهذا يكون قرينة على ان الواو في نسخة التهذيب بمعنى او نقول ان هذه القرينة حتى لو تمت لكن اصل الدليل على ان في شعر اللحية مع عدم الانبات الدية كاملة شككنا فيه وعليه فحمل الواو في نسخة التهذيب انها بمعنى او خلاف الظاهر، ومن هنا تأمل الشهيد في المسالك والمقدس الاردبيلي في هذا الحكم

تنبيه: سابقاً في شعر اللحية نقلنا عن الشيخ صاحب الجواهر انه نسب القول بالارش في شعر اللحية مع الانبات للشيخ في النهاية وابن حمزة وابن ادريس وابن سعيد الظاهر ان هذا اشتباه فانه نقل الارش عنهم في شعر الراس مع الانبات فلم يكن مقصوده نقل ثبوت الارش في حلق شعر اللحية مع الانبات، فما ذكرناه سابقا ينبغي حذفه

 


[1] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص150.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص341، أبواب ديات الاعضاء، باب37، ح2، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص342، أبواب ديات الاعضاء، باب37، ح3، ط آل البيت.