الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/02/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ديات الأعضاء

وفيها فصول:الفصل الأوّل في دية القطع

(مسألة 279): في قطع كلّ عضو من أعضاء الإنسان أو ما بحكمه الدية، وهي على قسمين:

الأوّل: ما ليس فيه مقدّر خاصّ في الشرالثاني: ما فيه مقدّر كذلك.أمّا الأوّل: فالمشهور أنّ فيه الأرش، ويسمّى بالحكومة، وهو أن يفرض الحرّ مملوكاً فيقوم صحيحاً مرّة وغير صحيح اُخرى، ويؤخذ ما به التفاوت بينهما إذا كانت الجناية توجب التفاوت، وأمّا إذا لم توجبه فالأمر بيد الحاكم، فله أن يأخذ من الجاني ما يرى‌ََ فيه مصلحة، وفيه إشكال، والأظهر أنّ له ذلك مطلقاً حتّى فيما إذا كانت الجناية موجبة للتفاوت (1)و أمّا الثاني: هو في ستّة عشر موضعاً (2):الأوّل: الشعر ففي اللحية إذا حلقت فإن نبتت ففيه ثلث الدية(3)، وإن لم تنبت ففيه الدية

    1. كان الكلام في ما لا مقدر له شرعاً وفيما اذا كان تفاوت بين قيمة الشيء صحيحاً ومعيباً فذهب المشهور الى ثبوت الارش وهو الفارق بين القيمتين

وانتهى الكلام الى ما يمكن ان يستدل به على ما ذهب اليه المشهور وذكرنا بان الارش طريقة عقلائية متعارفة لتحديد مقدار ما يضمنه الانسان عندما يحدث عيباً في سلعة او جناية في انسان او غيره ولم يكن للعيب او الجناية مقدار محدد ومعين متفق عليه فالتحديد قائم على اساس محاولة لمعرفة مقدار النقص من قيمة ذلك الشيء نتيجة العيب او الجناية وهذا لا يكون الا بتقويم الشيء صحيحاً ومعيباً وحينئذ نعرف مقدار النقصان الذي طرأ، وبتلك النسبة ناخذ من الثمن او من الدية في الجناية وهذا في باب العيب واضح، واما في محل الكلام فلا يوجد ما نقومه فان الحر لا يقوم فلا بد من افتراضه عبداً وتقويمه صحيحاً ومعيباً بتلك الجناية ومعرفة النقصان من الثمن ويؤخذ بتلك النسبة من الدية، ونحتمل ان صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة (يحكم به ذوا عدل منكم) اشارة الى هذا الشيء واشتراط التعدد والعدالة ليس في اصل الطريقة وانما في ما تتوقف عليه هذه الطريقة من تقويم الشيء صحيحاً ومعيباً فهي محاولة لضبط هذا التقويم وبعبارة اخرى ان الصحيحة اوكلت الامر الى حكم ذوي عدل منكم والظاهر انه ليس المعيار في حكمهما بحيث يكون تعيين الدية دائراً مدار نظرهما وما يرونه من المصلحة والا فالحاكم اولى بذلك منهما، فيظهر ان المعيار في حكم ذوي عدل منكم هو الطريقة التي ذكرها المشهور ولكن حيث ان هذه الطريقة تتوقف على تقييم الحر بعد فرضه عبداً اشترط التعدد والعدالة لضمان صحة التقييم هذا كله اذا كانت الجناية توجب التفاوت بين القيمتين واما اذا لم توجب التفاوت بين القيمتين فالظاهر ان الصحيح في هذه الحالة ان الامر بيد الحاكم وهذا ما يتفق عليه الطرفان المشهور والسيد الخوئي ويمكن الاستدلال على هذا بالروايات التي تدل على ان حق المسلم لا يذهب هدراً مثل موثقة ابي عبيدة المتقدمة لانه بعد تعذر الارش والحكومة لان المفروض ان الجناية لم تحدث تفاوتاً بين القيمتين فالامر يدور بين ان يذهب حق المسلم هدراً وبين الرجوع الى الحاكم ، والاول نفته الروايات فيتعين الثاني وهو الرجوع الى الحاكم

    2. القسم الثاني: ما له مقدر شرعاً

والمقصود ما فيه مقدر من اعيان الاعضاء واما المنافع مثل العقل والسمع والشم اذا ذهب بالجناية فيأتي الحديث فيه في فصل خاص به وذكر في الشرايع وغيرها انه ثمانية عشر موضعاً وذكرها في الجواهر (الشعر والعينين والانف والاذنين والشفتين واللسان والاسنان واللحيان واليدان والرجلان والاصابع والظهر والنخاع والثديان والذكر والخصيتان والشفران) والظاهر انه نسى الثامن عشر وهو العنق كما في باقي الكتب والسيد الماتن لم يذكر العنق والظهر والخصيتين واضاف الاليتين وعلى كل حال فالمهم ان نتتبع الروايات لنرى هل قدّرت لهذا الشيء مقداراً محدداً من الدية او لا ؟

    3. الاول الشعر وكلامنا في شعر اللحية اذا جنى عليه فحلق لحيته

اما الاول وهو ان المقدر ثلث الدية مع الانبات فهو قول جماعة كما قيل منهم ابن الجنيد والصدوق في المقنع وقيل ظاهر الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وادعى عليه اجماع الفرقة في الخلاف

واستدل له بما رواه المحمدون الثلاثة من (ان امير المؤمنين عليه السلام قضى في اللحية اذا حلقت ولم تنبت الدية كاملة فاذا نبتت فثلث الدية)[1] ونقلها في الوسائل عن الكافي عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسن بن شمون ، عن عبدالله بن عبد الرحمن الاصم ، عن مسمع ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ((قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام....)) ثم يقول (ورواه الصدوق بإسناده عن السكوني مثله)

ومن هنا يظهر انه يوجد في المقام روايتان رواية مسمع التي رواها الكليني في الكافي والطوسي في التهذيب بسند يلتقي مع سند الكليني في معظم رجاله والثانية رواية السكوني المروية في الفقيه وسند الرواية في الكافي والتهذيب ضعيف بسهل وبمحمد بن الحسن بن شمون المنصوص على ضعفه حتى قيل انه ضعيف جدا وبعبد الله بن عبد الرحمن الاصم المنصوص على ضعفه

ولكن الشيخ الصدوق[2] روى هذه الرواية هكذا (في رواية السكوني ان عليا (عليه‌السلام) قضى في اللحية إذا حلقت فلم تنبت بالدية كاملة فإذا نبتت فثلث الدية) وطريق الصدوق الى السكوني مذكور في المشيخة وهذا السند لا مشكلة فيه فان طريق الصدوق الى السكوني تام وان كان فيه النوفلي فنحن لا نرى التوقف لا من جهة السكوني ولا من جهة النوفلي اللهم الا ان يستشكل في السند من جهة ان السكوني يرويها مرفوعة من دون ان يذكر الواسطة فانه لم يسمع هذا القضاء بنفسه فلا بد ان يكون معتمداً على واسطة وهذه الواسطة مجهولة فان السكوني لم يسمع قضاء علي (عليه السلام) بهذا الشكل فلا بد انه وصل اليه بواسطة

الرأي الثاني: ذهب اخرون الى ان فيه الارش بالمعنى السابق اي انه يقوم صحيحاً ومعيباً ويؤخذ بنسبة الفرق بين القيمتين من الدية

وفي مفتاح الكرامة قال لم نجده لاحد قبل المحقق في الشرايع والنافع، لكنه في الجواهر نسب القول بالارش للشيخ في النهاية وابن حمزة وابن ادريس وابن سعيد وكلهم متقدمون على المحقق

اقول اما الشيخ الطوسي فانه صرح بالقول الاول في محل الكلام في النهاية، نعم قبل هذا بعدة صفحات اختار الارش لكنه في شعر الراس وليس هو محل الكلام، ولا منافاة بين الامرين لان شعر الراس لا مقدر له شرعاً لعدم وجود رواية على تحديد ديته فيرجع فيه الى القاعدة وهذا بخلاف محل الكلام لوجود الرواية الدالة على ان فيه ثلث الدية فمن يرى صحة احدى الروايتين وامكان الاعتماد عليها يكون شعر اللحية مما له مقدر شرعا فلا يرجع فيه الى القاعدة،

فالظاهر ان الشيخ الطوسي ملتزم بالقول الاول

واما ابن حمزة[3] فانه وان اختار الارش اذا نبت الشعر لكن ذلك في شعر الراس على ما صرح به ولم يذكر اللحية

نعم يظهر من ابن ادريس اختيار الارش في محل الكلام فانه وان صرح بالارش في شعر الراس الا انه بعد ان ذكر طريقة اخذ الارش قال (فليلحظ ذلك ويعتمد عليه في كل جناية على الحر لا مقدر فيها ولا دية موظفة منصوص عليها) وهذا باطلاقه يشمل شعر اللحية بناء على انه لا يعتمد على هذه النصوص

اما يحيى بن سعيد فكلامه في جامع الشرايع [4] صريح في اختيار ثلث الدية في محل الكلام لا الارش

وعلى كل حال استدل لهذا القول بان الارش هو الاصل في ما لا مقدر له ومنه شعر اللحية مع الانبات لضعف سند الرواية الدالة على ذلك كما اشار اليه المحقق في الشرايع وعلى هذا الاساس التزم جماعة من المتاخرين بالأرش في محل الكلام، ويبدو الى هنا ان هذا هو الصحيح لان الرواية الدالة على التقدير بثلث الدية غير تامة سنداً واما كون المقدر الدية كاملة مع عدم الانبات فهذا هو المشهور على ما في المسالك وكشف اللثام وفي الرياض على الاظهر الاشهر بين الطائفةواستدل له برواية مسمع والسكوني المتقدمتين وصحيحة سليمان بن خالد

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص341، أبواب ديات الاعضاء، باب37، ح1، ط آل البيت.
[2] الفقيه، الشیخ الصدوق، ج4، ص10.
[3] الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، ج1، ص444.
[4] الجامع للشرايع، الحلي، يحيى بن سعيد، ج1، ص590.