الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

42/02/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان/ تزاحم الموجبات

فروع تزاحم الموجبات:

(مسألة 278): لو سقط في بئر مثلاً فجذب ثانياً، والثاني ثالثاً، فسقطوا فيها جميعاً فماتوا بسقوط كلّ منهم على الآخر، فعلى الأوّل ثلاثة أرباع دية الثاني، وعلى الثاني ربع دية الأوّل، وعلى كلّ واحد من الأوّل والثاني نصف دية الثالث و لا شي‌ء على الثالث. ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا جذب الثالث رابعاً، وهكذا

ديات الأعضاء وفيها فصول:الفصل الأوّل في دية القطع

(مسألة 279): في قطع كلّ عضو من أعضاء الإنسان أو ما بحكمه الدية، وهي على قسمين:

الأوّل: ما ليس فيه مقدّر خاصّ في الشرع.الثاني: ما فيه مقدّر كذلك.أمّا الأوّل: فالمشهور أنّ فيه الأرش، ويسمّى بالحكومة، وهو أن يفرض الحرّ مملوكاً فيقوم صحيحاً مرّة وغير صحيح اُخرى، ويؤخذ ما به التفاوت بينهما إذا كانت الجناية توجب التفاوت، وأمّا إذا لم توجبه فالأمر بيد الحاكم، فله أن يأخذ من الجاني ما يرى‌َ فيه مصلحة، وفيه إشكال، والأظهر أنّ له ذلك مطلقاً حتّى فيما إذا كانت الجناية موجبة للتفاوت (2)

    1. المفروض في المسألة أن كل واحد منهم مات بسقوط الباقين عليه يعني ان الاول مات بسقوط الثاني والثالث عليه ولا اشكال في ان سقوطهما عليه يستند الى جذبه الثاني الى البئر وجذب الثاني للثالث، فكأن موت الاول يستند الى هذين السببين

وحيث ان الاول يشترك مع الثاني في جذب الثالث فمعناه انه يسقط من دية الاول ثلاثة ارباع، فإن نصف ديته يذهب لأن أحد السببين في موت الاول هو نفس الاول فكأنما هو اتلف نفسه، واما الربع فلانه يشترك مع الثاني في السبب الثاني، فكأن سقوط الثالث استند الى سببين جذب الثاني له وجذب الاول للثاني فيكون سقوط الثالث وهو احد سببي موت الاول مستنداً الى فعل الثاني وفعل الاول، ومقدار فعل الاول هو الربع لاننا قلنا بان موت الاول له سببان جذبه للثاني وهذا سبب هو مستقل فيه فيسقط منه نصف الدية وجذب الثاني للثالث وهذا اشترك فيه الاول مع الثاني فيسقط منه ربع الدية، فالاول قتل نفسه بمقدار ثلاثة ارباع وهذا معناه ان الثاني لا يتحمل من دية الاول الا الربع لأن ثلاثة ارباع دية الاول سقطت اما الاول فكما يسقط من ديته ثلاثة ارباع عليه ان يدفع للثاني ثلاثة ارباع الدية لأن موت الثاني يستند الى جذب الاول له ويستند ايضاً الى جذبه الثالث لأن المفروض في المسألة ان كل واحد منهم مات بسبب سقوط الباقين عليه فحينئذ السبب الاول لموت الثاني يستقل الاول به وهو أحد السببين فيثبت على الاول للثاني نصف الدية، واما السبب الثاني لموت الثاني وهو جذب الثاني للثالث وهذا يشترك الاول مع الثاني فيه، فيكون جذب الثاني للثالث له سببان جذب الثاني للثالث وجذب الاول للثاني فالاول يشترك مع الثاني في موت الثاني بهذا المقدار فعليه أن يدفع لأجل ذلك ربع الدية فعلى الاول ان يدفع ثلاثة ارباع الدية الى الثاني واما انه على كل واحد منهما نصف دية الثالث فواضح باعتبار انهما اشتركا في موته فإن موت الثالث استند الى جذب الثاني له وجذب الاول للثاني فعلى كل واحد منهما نصف الدية للثالث ولا شيء على الثالث لأنه مجذوب فقط، صحيح انه بسقوطه تسبب بموت الباقين لكنه مجذوب في هذا السقوط وحصل منه بلا اختيار فلا يترتب على سقوطه شيء

    2. اذا كانت الجناية توجب التفاوت في القيمة يفرض الحر عبداً سالماً من الجناية وتقدر قيمته ثم يفرض عبداً معيباً ويقوم ويؤخذ بالنسبة بين القيمتين من الدية، فبعد تقدير قيمة العبد صحيحاً ومعيباً وملاحظة نسبة التفاوت بين القيمتين، فيؤخذ بهذه النسبة من الدية، فمثلاً لو كان التفاوت بمقدار ربع القيمة يؤخذ ربع الدية

وهذا الترتيب المعين في اخذ الدية فيما اذا كانت الجناية توجب التفاوت هو معنى قولهم ان العبد يكون اصلاً للحر فيما لا مقدر فيه فمعناه ان نفرض الحر عبداً ونقومة صحيحاً ومعيباً ونأخذ من الدية بمقدار النسبة بين القيمتين في ما لا مقدر له شرعاً، وفي المقابل قالوا بأن الحر يكون اصلاً للعبد في ما له مقدر شرعاً ومقصودهم اذا ثبت في الجناية على عضو من اعضاء الحر دية كاملة فاذا جنى على العبد بهذه الجناية تكون موجبة لتمام قيمة العبد فيثبت للمولى بسبب هذه الجناية من قيمته على نسبة ما يثبت للحر من الدية

وهذه المسألة يمكن الاستدلال عليها بمعتبرة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم‌السلام) قال : (جراحات العبيد على نحو جراحات الاحرار في الثمن)[1] يعني انه يلاحظ نسبة الضمان في جراحات الاحرار الى دية الحر فيؤخذ بنفس النسبة من ثمن العبد في جراحات العبيد

وهذا هو المشهور بين الاصحاب وفي المسالك انه كالمتفق عليه وفي الرياض لا اجد فيه خلافاً وفي الجواهر بلا خلاف اجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه وذكر ان النصوص دلت على عدم بطلان الجناية وانها لا تكون هدراً حتى ارش الخدش ومع عدم التقدير كما هو المفروض لا توجد الا الحكومة والا كانت جناية لا استيفاء لها لا قصاصاً ولا دية وهذا مناف لما يمكن القطع به من الادلة ثم ذكر صحيحة ابي بصير التي سياتي التعرض لها

وذهب السيد الماتن الى ان الامر بيد الحاكم فيما لا مقدر له شرعاً مطلقاً سواء كانت الجناية موجبة للتفاوت او لا وخالف في ذلك المشهور واستدل بصحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : (دية اليد إذا قطعت خمسون من الابل ، وما كان جروحا دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون)[2]

وذكر انها تدل على ان تعيين الدية في الجروح دون الاصطلام انما هو بحكم ذوي عدل من المسلمين بان يستعين الحاكم في تعيين الدية في امثال ذلك بشهادتهما فالامر يرجع الى الحاكم على تعيين ذلك بشهادتهما ومقتضى اطلاقها سواء كانت الجناية توجب التفاوت او لا فمطلقاً يرجع الى الحاكم

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص388، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب8، ح2، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج29، ص389، أبواب ديات الشجاج والجراح، باب9، ح1، ط آل البيت.