99/12/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الأمر السابع
قد عرفت في مقام ذكر تقسيمات الاستصحاب من حيث المستصحب بأنّه قد يكون من الأحكام الكلّية، و اُخرى من الأحكام الجزئيّة؛ ففي الأوّل قد يتوهّم عدم إمكان جريان الاستصحاب فيه، فلا بأس بذكر الإشكال و جوابه، والإشكال هو الذي قد ذكره المحقّق العراقي في نهايته ما هو حاصله: بأنّ الشّك في بقاء الحكم الكلّي لأجل اختلاف الحالات و تبادلها راجع إلى الشّك في بقاء موضوعه لأنّ موضوع الأحكام الكلّية إنّما هو المفاهيم الكلّية و باختلاف القيود وتبادل الحالات يختلف المفهوم المأخوذ موضوعاً للحكم بعين اختلافه في مرحلة كونه معروضاً للحسن والقبح والمصلحة والمفسدة.
فإذا شكّ في بقاء الحكم الكلّي، إمّا للشّك في بقاء القيد المعلوم قيديّته، أو لفقد ما يشكّ في قيديّته أو لغير ذلك يرجع هذا الشّك لا محالة إلى الشّك في بقاء موضوعه فلا يجري فيه الاستصحاب .
ومنشأ هذا الإشكال هو تخيّل رجوع جميع القيود التي تؤخذ في القضيّة بحسب اللّب إلى الموضوع و إن كان بحسب الظاهر في القضيّة راجعاً إلى الحكم، إمّا لقضاء الوجدان برجوع القيود ودخالته في مصلحة الموضوع أو البرهان من لابديّة كون موضوع الأحكام بعينه هو معروض المصالح فلازمه في جميع موارد دخل القيد في مصلحة التكليف هو رجوعه إلى الموضوع و إلاّ يلزم إطلاق مصلحة الموضوع لعدم الواسطة بين الإطلاق والتقييد واستحالة الإهمال النفس الأمري، ولازم الإطلاق المزبور هو تحقّق المصلحة في الذات ولو مع عدم وجود القيد وهو مساوق عدم دخله في مصلحة التكليف وهو خلف، انتهى حاصل كلامه.
أقول: لا يخفى عليك أنّ هذا الإشكال أصله كان للفاضل النراقي في المستند حيث قد توهّم أنّ الاستصحاب كان من القواعد الفقهيّة نظير قاعدتي الفراغ والتجاوز ولا يجري إلاّ في الشبهات الموضوعيّة في الأحكام الجزئيّة أو في الموضوعات الخارجيّة دون الشبهات الحكميّة في الأحكام الكلّية الإلهيّة، غاية الأمر يكون وجه عدم جريان الاستصحاب:
تارةً: هو الوجه الذي ذكره المحقّق العراقي قدسسره .
واُخرى: هو الذي ذكره المحقّق الخوئي في «مصباح الاُصول» كما سنشير إليه عن قريب إن شاء الله تعالى.
وأمّا الجواب عن الإشكال الذي قد ذكره المحقّق المزبور في نهايته عنهم وحاصله بتقريرٍ منّا لعلّه كان أحسن ممّا أجابه هو أن يقال بأنّ الموضوع في الأحكام الكلّية وإن كان هو المفاهيم وليست بأمور خارجيّة إلاّ أنّ الموضوع الذي يكون مركزاً للحكم يمكن أن يقع على نحوين: تارةً يكون ذات الموضوع من دون ملاحظة قيد معه لا بصورة لحاظ الإطلاق ولا بلحاظ التقييد، فالمصلحة (ذا مصلحة) ملزمة الموجب للحكم والوجوب وكان القيد من الحيثيّة التعليليّة وعلّة محدثة لتعلّق الحكم على الموضوع بحيث لا يكون عدم وجود القيد موجباً لعدم الحكم.