99/12/13
بسم الله الرحمن الرحیم
وما توهّمه المحقّق العراقي من الفرق بين المثالين حيث قد جعل المثال في الأوّل موضوع الحكم نفس الماء وعلّق عليه وصف التغيّر فيجري فيه الاستصحاب بأن يكون الوصف حينئذٍ حينثيّة تعليليّة للحكم فيردّد كونه علّة محدثة أو محدثة ومبقية فبالاستصحاب يثبت كونه علّة محدثة فقط، وبين المثال الثاني حيث قد جعل الموضوع لمتعلّق الحكم هو الذات المقيّد والمتّصف بالوصف مثل الماء المتغيّر نجس أو الصدق الضارّ قبيح وحرام بأن يكون الوصف هو حيثيّة تقييده للحكم اللاّزم فقدان الحكم بفقدان وصفه، ولا فرق في الموردين من جهة التفاوت من الحيثيّة التعليليّة والتقييديّة بين كون الدليل المثبت هو العقل أو الكتاب والسنّة أو الإجماع أو السيرة، فما توهّمه من الفرق بين الدليل اللّفظي وغيره في إمكان جريان الاستصحاب في الأوّل دون الثاني ليس في محلّه.
هذا تمام الكلام في الإشكال الثاني على الشيخ قدسسره .
نعم، قد يظهر من المحقّق النائيني دعوى عدم التفاوت فيما بين المثالين في جريان الاستصحاب بواسطة كون الملاك في تشخيص وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة هو العرف لا العقل، ولا فرق في نظر العرف في الشّك في البقاء إذا زال الوصف مثل التغيّر في مثال الماء في كلا المثالين؛ أي سواء قيل الماء إذا كان متغيّراً ينجس أو قيل الماء المتغيّر نجس، كما لا فرق في جريان الاستصحاب في مثل مثال الصدق بين أن يقال الصدق إذا كان ضارّاً قبيح أو قيل الصدق الضّار قبيح حيث إنّه يجري فيه الاستصحاب بعد زوال وصف الضّار لأجل أنّ مناسبة الحكم للموضوع عند العرف يرى الوصف من حالات الموضوع لا من مقوّماته، وهذه الدعوى غير بعيدة، ففي ذلك يظهر جريان الاستصحاب على فرض كون الدليل هو العقل كما لا يخفى .
ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع كلام المحقّق الخميني في الجواب عن الشيخ في رسالته حيث قد جعل العناوين المتّصفة بالحسن و القبح من حيث الذات معرّاة عن اللّواحق مورد حكم العقل في الحسن و القبح مثل كون الكذب قبيح والإحسان حسن، إلاّ أنّ هذه العناوين قد يجتمعان في الموجود الخارجي ففي اجتماعها أي الحسن والقبح قد يكون الذي الملاك فيها معلوماً للعقل فيحكم به العقل قطعاً مثل ما لو علم أنّ الكذب المنجي لإنسانٍ مؤمن حسن ولا قبح فيه، كما أنّه يحكم بحسن إيذاء حيوان يريد قتل إنسان ولكن قد يشكّ فيهما في الموجود الخارجي مثل إنقاذ من يسبّ الله والرسول حيث يشكّ العقل في حسن إنقاذه، فههنا يستصحب حكمه من حيث نظر العرف، وإنّما كان لا حكم للعقل في هذا المورد لشكّه في حسنه إلى آخر ما قرّره تفصيلاً[1] .
فالحاصل: أنّ الحقّ هو جريان الاستصحاب في الدليل المثبت للحكم مطلقاً أي سواء كان المثبت هو العقل أو الكتاب أو السُّنة .