99/12/11
بسم الله الرحمن الرحیم
ثمّ نرجع إلى الإشكال الذي أورده المحقّق العراقي على الشيخ ثانياً وهو بعد تسليم كون القضيّة في الحكم الشرعي لتبعيّة للحكم العقلي في القيود المأخوذة في الأحكام العقليّة، قال: إنّما يتوجّه هذا الإشكال لو اعتبرنا في وحدة قضيّة المتيقّنة والمشكوكة بالأنظار العقليّة الدقيقة، ولكن يلزمه حينئذٍ عن جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي لعدم إحراز بقاء الموضوع عقلاً بعد انتفاء بعض الخصوصيّة مثل الحرمة المتعلّق للصدق الضارّ، فمع انتفائه لا نجري استصحاب الحرمة لنفس صدقه لاحتمال دخالة وصف الإضرار فيه بلا فرقٍ بين الشُّبهة التحريميّة أو الموضوعيّة.
وأمّا على التحقيق في كفاية الوحدة العرفيّة بين القضيّتين حتّى فيما إذا كان الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي فلا مانع بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع في العرف أن يجري الاستصحاب فيما إذا فقد بعض خصوصيّاته ولو كان الدليل الدّال هو حكم العقل كما كان كذلك إذا كان الدليل الدّال هو الكتاب والسنّة، فكما يجري الاستصحاب في المشكوك في الثاني فهكذا يجري فيه في الأوّل أيضاً لإمكان الانفكاك بين درك العقل وحكم الشرع لأنّ العقل لا يمكن له الدرك والجزم مع فقد بعض الخصوصيّات، فلذلك لا يحكم في مقام الإثبات، هذا بخلاف الشرع حيث إنّه يحكم بواسطة الاستصحاب لأجل إمكان عدم دخالة ذلك المتعدّد (المفقود) في الحكم ثبوتاً فلذلك يجري الاستصحاب بلحاظ حال مقام الثبوت الذي ليس فيه حكم العقل كما كان الحكم موجوداً في حال مقام الإثبات للعقل والشرع، ولا بأس بافتراق جريان الاستصحابات بين الأحكام بلحاظ حال أدلّتها، فلازم ذلك هو جريان الاستصحاب فيما إذا قيل الماء إذا تغيّر يتنجّس والصدق إذا كان ضارّاً يحرم حيث يجري فيه الاستصحاب، وبين ما إذا كان الثابت بالدليل العقلي المثبت للحكم بعنوان خاصّ كالصدق الضارّ والكذب النافع حيث لا يجري فيه الاستصحاب إذا زال وصف الضارّ عن الأوّل فليس بحرام كما إذا زال وصف النفع عن الثاني فليس بجائز حينئذٍ لأجل عدم جريان الاستصحاب فيه، بل يجري هذا الإشكال في كلّ حكمٍ شرعيّ يستكشف حكمه من الدليل غير اللّفظي مثل الإجماع والسيرة إذا كان دخيلاً لبيّاً فيكون كالدليل العقلي حيث لا يجري فيه الاستصحاب، بخلاف ما إذا كان الدليل لفظيّاً مثل الكتاب و السُّنة، هذا حاصل ما أفاده المحقّق العراقي في نهايته، انتهى محلّ الحاجة[1] .