99/12/03
بسم الله الرحمن الرحیم
نعم، قد يمكن أن يرد على حجيّته مثل هذا الاستصحاب بوجهين آخرين:
أحدهما: وهو أنّ الشّك السابق على المتيقّن مثل ما لو فرض يقينه بالوضوء في الزمن الحاضر ثمّ يشكّ في وضوئه حال سابقه مثل الصبح لعلّ عدم إجراء هذا الاستصحاب هنا كان من جهة أنّ حالة السابقة قبل الشّك أي قبل الصبح لا يخلو إمّا أن يكون بصورة العلم واليقين أو غير العلم، فإن كان بصورة العلم إمّا بالوضوء أو بعدمه فلا تصل النوبة إلى التمسّك باستصحاب القهقرى لأنّ استصحاب الحالة السابقة على الشّك من الحكم بالوضوء لو كان عالماً به أو بعدمه لو كان عالماً بعدمه يرفع الشّك عن المكلّف ويجعله داخلاً في المتعبّد بالبقاء فلا يحتاج إلى الاستصحاب القهقرى وحتى يقال إنّه حجّة أم لا، وإن كانت الحالة غير العلم من الظّن غير الحجّة أو الشّك بالوضوء أو بعدمه فهو أيضاً ملحق بالشّك من جهة الآثار فينتقل الكلام فيه إلى أن يصل بما يوجب انقلاب حاله من الشّك إلى العلم فيعود الكلام فيه بما قلناه آنفاً، ولعلّه لذلك لم يذهبوا إلى حجّية هذا الاستصحاب، هذا إن قلنا بحجيّة الاستصحاب من باب الإخبار.
وثانيهما: لو قلنا بحجيّته من باب حكم العقل أو بناء العقلاء الموجب للحكم بالبقاء الظّن الشخصي به في الأوّل أو الظّن النوعي به في الثاني فلا يجري في استصحاب القهقرى قطعاً لعدم وجود تحقّق الظّن الشخصي أو النوعي بالبقاء في الشّك السابق على اليقين اللاّحق بخلاف عكسه، فلأجل هذين الأمرين انحصروا حجيّة الاستصحاب بصورة كون المتيقّن سابقاً والشكّ لاحقاً، وهو المطلوب.
ثالثها: أي ثالث الاُمور التي ذكر في الاستصحاب هو لزوم فعليّة الشّك واليقين ولا يكفي التقديري منهما فإنّه مضافاً إلى أنّ ظهور هذين اللّفظين يقتضيانه، بل هكذا في مطلق الألفاظ في فعليّة الوصف العنواني وقيام مبدء الاشتقاق الحقيقي أو الجعلي بالذات فعلاً وتلبّسها به حال الإطلاق، ولذا وقع الاتّفاق على عدم صحّة إطلاق الإنسان على ما انقضى عنه الإنسانيّة من الجوامد أو لم يتلبّس بعد كالمشي مثلاً.
إنّ الحكم المجعول في الاستصحاب بل في مطلق الاُصول لا يكاد يتحقّق إلاّ مع فعليّة الشّك الذي أخذ موضوعاً فيها، بداهة أنّ الجري العملي على أحد طرفي الشّك أو البناء على بقاء الحالة السابقة وترتّب آثار ثبوت المتيقّن لا يمكن إلاّ مع فعليّة الشّك .
بل وبذلك يمتاز الحكم الظاهري على الحكم الواقعي بعد اشتراكهما في عدم توقّف الجعل والإنشاء على العلم به لأنّه يلزم الدور المستحيل إذ فعليّة الأحكام الواقعيّة موقوفة على وجود الموضوع خارجاً ولو مع جهل المكلّف به بخلاف الأحكام الظاهريّة حيث أنّ فعليّتها لا تكون قائمة بوجوداتها الواقعيّة ولا يترتّب عليها الآثار إلاّ بعد الالتفات والعلم بها حكماً وموضوعاً إذ التنجّز والمعذوريّة في الحكم الظاهري لا يكون إلاّ بعد الالتفات والعلم به، فإجراء الاستصحاب موقوف على وجود اليقين والشّك فعلاً لا تقديراً، والأمر كان كذلك،