99/11/28
بسم الله الرحمن الرحیم
ههنا تنبيه لا يخلو عن فائدة
وهو أنّ المراد من قاعدة المقتضي والمانع ليس هو إلاّ استصحاب (الاستصحاب) في الشّك في المقتضي الذي يقع البحث فيه هل هو حجّة أم لا، لأنّ الشّك في الاستصحاب يرجع إلى أصل المقتضي أي لا يدرى هل هو موجود لزمان الشّك لأجل عدم اقتضائه من أوّل الأمر، هذا بخلاف قاعدة المقتضي والمانع حيث إنّ المقتضي في اقتضائه يقيني ويقتضي البقاء، والشّك متعلّق بحدوث المانع عن بقاء.
غاية الأمر، أنّ اليقين (التعيين) بالاقتضاء والشّك في حدوث المانع يتصوّر على أنحاءٍ ثلاثة:
الأوّل: بأن يكون المراد من المقتضي المتيقّن وجوده ماهو المقتضي لوجود الأثر التكويني في عالم التكوين والوجود ومن الشّك هو الشّك في وجود المانع أي ما هو يمنع عن تأثيره في التكوين والوجود، وهو كاقتضاء النار للإحراق بحسب التكوين المجاور لها فترجع دعوى من يقول باعتبار قاعدة المقتضي والمانع إلى أنّه يجب البناء على تحقّق المقتضى بالفتح عند العلم بوجود المقتضي بالكسر مع الشّك في وجود المانع.
الثاني: أن يكون المراد من المقتضي ما يقتضي الأثر الشرعي بحسب جعل الشارع لذلك الأثر على هذا المقتضي ومن المانع ما يمنع شرعاً عن ترتّب الأثر على المقتضي في جعل شرعي فيكون كلّ من المقتضي والمانع شرعيّاً حينئذٍ كما يقال مقتضى دلالة الأدلّة أنّ مجرّد ملاقات الماء للنجاسة يوجب النجاسة شرعاً، والكرية حيثيّة مانعة شرعاً عن انفعال الماء فترجع دعوى من يقول باعتبار هذه القاعدة إلى أنّه يجب البناء على ترتّب المقتضى بالفتح وهو النجاسة على الماء الملاقي لها إلى أن يثبت الكرية المانعة عن ترتّب الأثر وهو النجاسة عليه.
الثالث: أن يكون المراد من المقتضي والمانع هو السبب والعلّة والملاك لتشريع الحكم من الملاكات التي تبنى عليها الأحكام، كما أنّ المراد من المانع هو ما يمنع عن هذا التأثير من جهة الجعل والملاك والمثال لذلك مثل أن يقال بأنّ العلم مثلاً هذا السبب والملاك في رجحانه التشريع لتشريع وجوب الإكرام، كما أنّ الفسق في عالم الملاك هو مانع عن وجوب الإكرام حتّى للعالم فترجع دعوى من يدّعي حجّية تلك القاعدة هو وجوب البناء على وجوب الإكرام للعالم الذي فيه مقتضى الوجوب إلى أن يثبت المانع وهو فسقه.
فإذا عرفت الوجوه الثلاثة في معنى القاعدة يقع البحث والكلام بأنّ مراد من يدّعي حجيّتها إلى أيّ قسمٍ من هذه الوجوه الثلاثة ترجع دعواه أو كان مراده دعوى الحجّية في جميعها، وتفصيل الكلام في حجيّتها وعدمها سيأتي في محلّه، وسيذكر إنكار بعض جميعها خصوصاً صورة الأخيرة وهو الملاك من جهة عدم إمكان الاطّلاع عليها مع إنكار أصل القاعدة عند بعض بدعوى عدم وجود دليل على اعتبارها، وتوضيح ذلك والجواب عنه موكولٌ إلى محلّه.