99/11/21
بسم الله الرحمن الرحیم
نعم يجري الإشكال على مشرب المحقّق القمّي من تعريف علم الاُصول يكون البحث فيه عن دليليّة الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلاً، مع أنّ الاستصحاب حجيّته على هذين المسلكين لا يكون إلاّ بحثاً عن حال الدليل لا عن دليليّة الدليل، فيصير الاستصحاب على مسلكه حينئذٍ من المبادئ التصديقيّة لكن أصل مبناه مخدوش.
والظاهر أنّ كون الاستصحاب من المسائل الاُصوليّة على هذين المسلكين أنّ كون مستنده العقل أو بناء العقلاء مورد تسالم الأصحاب في الجملة ممّا لا إشكال فيه.
كما أنّ الاستصحاب في الموضوعات الخارجيّة كعدالة زيد أو طهارة ثوب وما أشبه أيضاً مورد تسالم بينهم في كونه من المسائل الفرعيّة الفقهيّة بلا فرقٍ بين كون مستنده العقل أو بناء العقلاء أو كون القاعدة مستفادة من الأخبار لأنّ الاستصحاب حينئذٍ يكون من قبيل أصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشّك بعد الفراغ ونحو ذلك .
كما أنّه أيضاً لا إشكال في كونه من المسائل الفقهيّة الفرعيّة الاستصحاب الجاري في الأحكام الشرعيّة الجزئيّة مثل الشّك في طهارة هذا المايع وإن كان الإشكال فيه جارياً لأنّه أيضاً كان من شأن الفقيه والمجتهد لا المقلّد على فرض جعل الميزان في كونه مسألة أُصوليّة هو هذا.
وكيف كان، فالعمدة في الإشكال هو الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكميّة المثبت للحكم الظاهري الكلّي إذا كان مستنده هو الاخبار و()، فعن الشيخ كونه من المسائل الاُصوليّة غموض لأنّ الاستصحاب حينئذٍ قاعدة مستفادة من السُّنة وليس التكلّم فيه تكلّماً في أحوال السُّنة بل هو نظير سائر القواعد المستفادة من الكتاب و السُّنة، والمسألة الاُصوليّة هي التي بمعونتها يستنبط هذه القاعدة من قولهم: لا تنقض اليقين بالشّك، وهي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر ومن أحوال الألفاظ الواقعة فيه، فهذه القاعدة كقاعدة البراءة والاشتغال نظير قاعدة نفي الضرر والحرج من القواعد الفرعيّة المتعلّقة بعمل المكلّف.
ثمّ أشكل بكونه من المسائل الفرعيّة بأنّ إجراء الاستصحاب في مورده؛ أعني صورة الشّك في بقاء الحكم الشرعي السابق كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة للمقلّد وهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد، وهذا من خواصّ المسألة الاُصوليّة، فإنّ المسائل الاُصوليّة لمّا مهّدت للاجتهاد و استنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ولا حظّ لغيره فيها، انتهى موضع الحاجة.
ولكن الإنصاف كون الاستصحاب من المسائل الاُصوليّة لأنّ كبراه تقع في طريق الاستنباط للأحكام الكلّية الفرعيّة؛ يعني أنّ الاستصحاب إذا صار حجّة تكون نتيجتها استفادة أحكام كليّة في موارد مختلفة من وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ونجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من دون أن يحتاج إلى وجود الموضوع في الخارج، بل يصحّ جريانه حتّى مع فرض وجود الموضوع مع اليقين السابق و الشّك اللاّحق حيث يحكم بحجيّة الحكم ببقائه بلا فرقٍ بين كون المستصحب حكماً ظاهريّاً أو واقعيّاً ثمّ في الواقعي بلا فرق بين كونه واقعيّاً أوّليّاً أو ثانويّاً، فينطبق عليه عنوان مسألة أُصوليّة، ولا ينتفع من هذا إلاّ المجتهد لأنّه الذي يدخل يقينه وشكّه في جريان الاستصحاب و حجيّته لا المقلّد فإنّ يقينه وشكّه غير مرتبط في استصحاب الأحكام الكلّية، فالحكم بحجيّته كان من شأن الفقيه وليس من فتواه حتّى يكون من المسائل الفقهيّة حيث يفتي فيها، كما أنّه ليس من القواعد الفقهيّة.