درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

1400/03/02

بسم الله الرحمن الرحیم

وثانياً: أنّه لا مانع من الالتزام بكلا الأصلين أي عدم جعل الحرمة وعدم جعل الحلّية لما بعد الانقطاع لأنّه لا يلزم من الإلزام به إلاّ المخالفة الالتزاميّة لا العمليّة القطعيّة لأنّه يعلم إجمالاً بأحدهما، وأمّا من حيث العمل إمّا لا يقدر إلاّ على الفعل أو الترك إذ الحلّية لا يلازم الوجوب حتّى يوجب تركه مخالفة عمليّة، فإذا التزمنا بجريانهما فيتعارضان ويتساقطان ويرجع في المقام إلى أصالة البراءة عن الحرمة، فنفى بذلك لأجل أصل البراءة.. إلى آخر كلامه منه.

وفيه: أنّ هذا الجواب مخدوش بأنّه إذا التزمنا بعدم جعل الحرمة والحلّية معاً وقلنا بالتعارض فكيف يصحّ الرجوع إلى أصالة البراءة والفتوى بالحلّية إذ هو أيضاً جعل وتشريع لأنّ عدم الجعل عنوان كلّي يشمل حتّى الجعل لمثل البراءة فكيف يبقى ذلك إلاّ أن يكون المقصود منه هو استصحاب عدم الجعل الثابت قبل جعل الأحكام، فحينئذٍ قلنا أيضاً لازم ذلك هو التعارض والتساقط والرجوع إلى أصالة الحرمة في المجعول لا البراءة حيث تكون في رتبته بعد أصالة عدم الجعل لا الرجوع إلى البراءة، ولعلّ وجه عدم رجوعه إليه هو ما سيأتي توهّمه من كون هذا الأصل في مرتبة أصالة عدم الجعل، فانظر ما ننقله عن قريب في الوجه الثالث.

وثالثاً: كما في «مصباح الاُصول» بما هو حاصله بأنّا لو سلّمنا وقوع التعارض بين استصحابي عدم جعل الحرمة وعدم جعل الحلّية وسلّمنا وجود هذين الأصلين لكن هذا لا يوجب الرجوع إلى استصحاب حكم المجعول وهو حرمة وطي الحايض لأنّه أيضاً يكون في رتبة هذين الأصلين، فالتعارض يقع بين الاستصحابات الثلاث ويسقط جميعها لأنّ جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة لا يكون موقوفاً على وجود موضوعها في الخارج بل يصدق حتّى مع فرض وجود الموضوع إذا تحقّق للفقيه اليقين و الشّك الفعليّان، وههنا كان كذلك لأنّه ولو لم تكن المرأة الحايض موجودة في الخارج يصحّ طرح المسألة بأن يقال بأنّ اليقين بعدم الجعل أصلاً قبل نزول الآية «فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ» للحرمة والحلّية حاصل، كما أنّ الشّك له حاصل في الحرمة بعد انقطاع الدم قبل الاغتسال، وكلّ من هذا اليقين والشّك فعليٌّ عند الإفتاء على فرض وجود الموضوع فيقع التعارض بين الثلاث وتسقط فلا يجوز الحكم بحرمة الوطي[1] .

وفيه أوّلاً: أنّه لو سلّمنا أنّ اليقين بعدم الجعل أصلاً قبل نزول الآية لا بالحرمة ولا بالحلّية فعلي من جهة النقض من أنّه يمكن القول بوجود الجعل قبل الآية أيضاً في الاُمم السابقة؛ لإمكان نقل الكلام لما قبل ذلك .

لكن لا نسلّم كون الشّك في حرمة الوطي بعد الانقطاع فعليّاً مع فرض وجود الموضوع لأنّ الشّك فيه لا يحصل إلاّ بعد تحقّق أصل الجعل بالحرمة ولم يعلم حدود ذلك، فما لم يكن جعلاً في البين لا معنى لعروض الشّك إلاّ تقديراً وهو خلاف لجريان الاستصحاب عند من اعتبر الفعليّة فيه .

وثانياً: إنّ المجعول بحسب الاعتبار يكون رتبته بعد الجعل من قبيل تقدّم المصدر على اسم المصدر والمنقول وليس هما في مرتبة واحدة، نعم بحسب الزمان يكون كذلك لعدم إمكان الانفكاك بينهما و إلاّ يلزم وقوع التناقض والتنافي في زمانٍ واحد بين كونه حراماً وحلالاً لأجل امتناع التفكيك بين العلّة والمعلول، فلازمه تهحقق الحرمة في زمان تحقّق الجهل و العلّة، فمع ذلك كيف يمكن القول بعدم الحرمة في ذلك الزمان كما هو مقتضى اختلاف الرتبة في الزمان، فظهر أنّ اتّحاد الرتبة في الزمان واجب ولازم دون الاعتبار فإنّه ينفك قطعاً، ففي عدم التعارض يكفي عدم اتّحاد الرتبة لو في الاعتبار كما كان كذلك في الشّك السببي والمسبّبي، فعليه ينتج في المقام وقوع التعارض بين الاستصحابين ولأصالة عدم الجعل للحرمة والحلّية فيسقطان ويرجع إلى أصالة الحرمة وهو المطلوب فيصير الحقّ مع المشهور المنصور.

ثمّ أشار سيّدنا الخوئي قدس‌سره إلى الشّك السببي والمسبّبي وحكومة الأوّل على الثاني بقوله: ربما يقال في المقام إنّ أصالة عدم جعل الحرمة حاكمة على استصحاب بقاء المجعول لكون الأوّل أصلاً سببيّاً بالنسبة إلى الثاني كان الشّك في بقاء الحرمة مسبّب عن الشّك وسعة جعل الحرمة وضيقها، فأصالة عدم جعل الحرمة موجبة لرفع الشّك في بقاء المجعول فلا يبقى للاستصحاب الثاني موضوع، هذا.

فأجاب عنه بما لا يخلو عن إشكال وهو قوله: وهذا الكلام وإن كان موافقاً للمختار في النتيجة إلاّ أنّه غير صحيح في نفسه لما مرّ غير مرّة ويأتي إن شاء الله تعالى من أنّ الملاك في الحكومة ليس مجرّد كون أحد الأصلين سبباً والآخر مسبّباً، بل الملاك كون المشكوك فيه في أحد الأصلين أثراً مجعولاً شرعيّاً للأصل الآخر كما في المثال المعروف وهو ما إذا غسل ثوب نجس بماء مشكوك النجاسة فالشكّ في نجاسة الثوب سبب عن الشّك في طهارة الماء وجريان أصالة الطهارة في الماء موجب لرفع الشّك في طهارة الثوب لأنّ من الآثار المجعولة لطهارة الماء هو طهارة الثوب المغسول به، فأصالة الطهارة في الماء تكون حاكمة على استصحاب النجاسة في الثوب بخلاف المقام فإنّه ليس عدم حرمة الوط‌ء من الآثار الشرعيّة لأصالة عدم جعل الحرمة بل من آثار التكوينيّة له لأنّ عدم الحرمة خارجاً ملازمٌ تكويناً مع عدم جعل الحرمة بل هو عينه حقيقة ولا مغايرة بينهما إلاّ نظير المغايرة بين الماهيّة والوجود، فلا معنى لحكومة أصالة عدم جعل الحرمة على استصحاب بقاء المجعول، انتهى[2] .

 


[1] مصباح الاُصول: ج3 / 44.
[2] مصباح الاُصول: ج3 / 45.