98/10/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: وأمّا إذا كان الترتّب موجوداً فهو إمّا عقلي أو شرعي
وأمّا إذا كان الترتّب موجوداً فهو إمّا عقلي أو شرعي، فقد تحقّق موضوعه لا محيص عن الترتّب.
ففي الأوّل: مثل ترتّب وجوب المهمّ عند عدم وجوب الأهمّ عند من استحال الترتّب، أي لا يجوز في وجود الأمر للمهمّ مع وجود الأمر في الأهمّ ولو بصورة العصيان، نعم يوجد مع عدم وجوب الأهمّ ولو بالأصل، فإذا جرى يوجب الحكم بوجوب المهمّ لإطلاق دليله لأنّ علّة رفع اليد عن إطلاق دليل المهمّ ليس إلاّ فعليّة الأمر بالأهمّ وتنجّزه، فإذا سقط فعليّته ولو بترخيص الشارع ظاهراً لا محالة يترتّب عليه وجوب المهمّ بواسطة إطلاق دليله فهو المثبت لوجوبه حقيقة لا البراءة وهي ترفع المانع وهو عجز المكلّف، فلا وجه حينئذٍ لاشتراط جريان البراءة بعدم إثباته للحكم الإلزامي لأنّ الترتّب حصل بواسطة دلالة إطلاقه.
وأمّا الثاني: بأن يكون جواز شيء مأخوذاً في موضوع وجوب شيء آخر في لسان دليل الشرع، فهو تارةً: يكون المرتّب في الحكم الواقعي المترتّب على الإباحة الواقعيّة، ففي ذلك لا يترتّب الحكم الإلزامي على مورد جريان البراءة لأنّ الأصل لا يثبت الإباحة إلاّ ظاهراً لا واقعاً بخلاف الاُصول التنزيليّة كالاستصحاب أو الأمارات.
واُخرى: كان الحكم الإلزامي واقعيّاً مترتّباً على الإباحة الجامعة من الظاهريّة والواقعيّة فلا إشكال في حصول الترتّب قهراً لاستحالة تفكيك الحكم عن الموضوع بلا وجود مانع ورادع بلا فرقٍ فيه كون الأصل تنزيليّاً أم لا، وأثر هذا الترتّب في هذا القسم أنّه لو انكشف الخلاف يرتفع الوجوب من حين الانكشاف لا من أوّل الأمر مثل الماء المشكوك إباحته، فإذا أحرز إباحته بالأصل يترتّب عليها وجوب التوضّي واقعاً، فإذا بانَ الخلاف يرتفع الوجوب من حينه.
هذا بخلاف القسم الثالث وهو ما لو كان الترتّب في الحكم الواقعي على الإباحة الظاهريّة فقط حيث إنّ الإلزام حينئذٍ ظاهري أيضاً، فعند كشف الخلاف يحكم بعدم ثبوته من أوّل الأمر مثل الاستطاعة وإباحة المال بواسطة الأصل حيث يترتّب عليه وجوب الحجّ حجّة الإسلام فيصير المكلّف بجريان الأصل مستطيعاً تنزيليّاً كان الأصل مثل الاستصحاب أو غير تنزيلي كالبراءة، فلو انكشف الخلاف وبانَ عدم إباحة المال له ينكشف عدم كونه مستطيعاً وعدم وجوب حجّة الإسلام عليه من أوّل الأمر .
وكيف كان، ظهر من جميع ما ذكرنا أنّ الأصل لا يكون من شرائطه عدم ترتّب الحكم الإلزامي لأنّ في بعضها قد عرفت كون وجه ترتّبه غير الأصل كما في القسم الأوّل من الثلاثة وما لا يكون الترتّب فيه عقليّاً ولا شرعيّاً، وفي بعضها الآخر كان أمراً قهريّاً لأجل ترتّب الحكم على تحقّق موضوعه.
فإذا فرغنا عن بحث عدم شرطيّة مثل ذلك في جريان البراءة كما لا شرطيّة في عدم استلزامه للضرر بما قد عرفت فقد أوجب ذكر عنوان قاعدة لا ضرر هنا من ورود البحث في تلك القاعدة تفصيلاً لكثرة الاحتياج إليها في البحث عنها في الفقه وكونها من القواعد المهمّة، ولذلك ترى أنّ بعض الفحول قد أفردها في رسالة مستقلّة خارجة عن بحث تقريرات الاُصول ونحن نقتفي آثارهم وجعلناها في رسالةٍ مستقلّة وسمّيناها بـ «قلائد الدُرر في قاعدة لا ضرر».