98/09/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: كما التجأ بعضٌ آخر كصاحب «الكفاية» هنا إلى قاعدة معروفة مشهورة
كما التجأ بعضٌ آخر كصاحب «الكفاية» هنا إلى قاعدة معروفة مشهورة بأنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فترك الفحص عن تحصيل الواجب قبل شرطه ووقته حتّى انجرّ إلى تركه بعد حصول شرطه ووقته لعدم القدرة في تحصيله فيه حيث كان بسوء اختياره وإن كان في تلك الحالة غير قادر لكنّه غير معذور عند العقل لأنّ تعجيز النفس عن إتيان الواجب كما هو مستلزمٌ لاستحقاق العقوبة في الواجب المطلق، هكذا يستحقّ العقوبة في تعجيزه في الواجب المشروط المستلزم لتركه في حال تحقّق شرطه و وقته.
مع أنّه وقع مورد الاعتراض بكونه غير جيّد أوّلاً بما قاله المحقّق الخميني قدسسره بأنّ تلك القاعدة غير مربوطة بمسألتنا بل هي مربوطة بمسألة عقليّة فلسفيّة في قِبال توهّم بعض المتكلّمين المنكِر للإيجاب والامتناع السابقين بتوهّم أنّ التزامه موجبٌ لصيرورة الفاعل ـ موجباً ـ بالفتح ـ فأنكر على مثله أهل الفنّ بأنّ الوجوب بالاختيار وكذا الامتناع بالاختيار لا ينافيان الاختيار.
وأمّا في مثل المقام فلا شبهة أنّ الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار، فمن ترك السير إلى أن ضاق الوقت خرج إتيان الحجّ عن اختياره و لو كان الامتناع باختياره، لكن لا يكون هذا الامتناع عذراً عند العقل والعقلاء وهو قاعدةٌ اُخرى غير القاعدة المشتهرة، انتهى كلامه[1] .
مع أنّ التأمّل يقضي بعدم ورود هذا الإشكال لوضوح أنّ جواب أهل الفنّ بذلك ليس إلاّ بلحاظ الآثار والتبعات لا بلحاظ أصل ذات الإيجاب والامتناع وإلاّ فمن المعلوم أنّ الفاعل لا يقدر بعده بخلاف ما اقتضاه أوّلاً من الامتناع أو الإيجاب، إلاّ أنّه لا يوجب كون الفاعل مثل من لا يقدر على الخلاف بالذات أي غير القادر بالطبع، وجه الفرق والمغايرة هو كونه بسوء اختياره دون غيره، فهكذا يكون في المقام لوضوح أنّ ترك السير إلى أن ضاق الوقت ينافي الاختيار بموضوعه لكن لا ينافي الاختيار بآثاره أي يصحّ عقوبته فلا ينافي الاختيار معناه أنّه يؤخذ بكونه اختياري لا إجباري وقهريّاً حتّى لا يستحقّ العقوبة، فإسراء تلك القاعدة إلى هنا ليس بأجنبيّ كما ادّعاه قدسسره فيمن جعله من ملاكات صحّة العقوبة لو لم يرد عليه إشكالٌ آخر.
وثانياً: بما تفوّه المحقّق العراقي قدسسره بأنّ تلك القاعدة كانت فيما إذا كان الامتناع ناشئاً عن سوء اختيار المكلّف ولا يكون ذلك إلاّ إذا تحقّق التكليف الفعلي بالواجب في حقّه وقد تساهل المكلّف في تحصيل مقدّماته حتّى عجز عن امتثاله، وأمّا إذا لم يتحقّق التكليف الفعلي في حقّه كما هو المفروض لأنّه قبل تحقّق شرطه لا تكليف فعلي، فلا يكون تساهل المكلّف في تحصيل مقدّماته موجباً لتقصيره ليكون الامتناع امتناعاً عن سوء اختياره، فلابدّ لإثبات تلك القاعدة من إثبات الوجوب للمقدّمات عقلاً أو نقلاً كي يصدق التقصير بتركها ويترتّب عليه الاستحقاق للعقوبة، فالقول بوجوب المقدّمات بواسطة تلك القاعدة (فيستحقّ) يستلزم دوراً واضحاً، فذلك الإشكال يوجب عدم جواز التمسّك بتلك القاعدة لإثبات استحقاق العقوبة، انتهى ملخّص كلامه[2] .
ولكن الأولى أن يُقال: لا فرق في استحقاق العقوبة في ترك المقدّمات بين واجب المطلق والمشروط والموقّت لأنّ ملاك وجوب المقدّمات ليس مترشّحاً عن وجوب ذيها حتّى يرد عليه الإشكال، بل المقدّمات بنفسها لها مبادئ تصوّريّة وتصديقيّة إذا علم المولى والعبد بوجوب شيء في وقتٍ وكان مطلوباً بذاته وهو لا يحصل إلاّ بتلك المقدّمات، فلا جرم يحكم العقل والعقلاء بوجوب الإتيان بالمقدّمات قبل الوقت لتحصيل غرض المولى، فتركه المنجرّ إلى ترك الواجب في وقته لا يكون عذراً له عند العقل والعقلاء، فلا فرق فيه بين كون الوجوب حاليّاً أو استقباليّاً فلا نحتاج لإثبات استحقاق العقوبة في ترك الفحص والتعلّم إلى الوجوب النفسي النّهي كما لا يخفى .