98/09/04
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: ولا يخفى ما في جوابهما من الإشكال
ولا يخفى ما في جوابهما من الإشكال، لأنّا لا نعلم كونخ الأحكام على تعداد خاصّة حتّى يوجب تحصيل تلك العدّة الانحلال بالنسبة إلى كلّ الأحكام لوضوح وجود العلم إجمالاً بوجود أحكام في تلك الأخبار التي لم تصل إلينا غير هذا (هذه) الأحكام الواصلة كما يومي إلى ذلك بعض الأحاديث بوجود جميع ما يحتاج إليه البشر من الأحكام حتّى أرش الخدش في صحيفة فاطمة عليهاالسلام، فدعوى العلم بالانحلال بذلك يكون في غاية الإشكال كما وافقنا في ذلك السيّد الخميني في حاشية أنواره مع فرض تسليم كون الدليل هو العلم الإجمالي، إلاّ أنّك قد عرفت إشكاله في أصل دليليّة هذا الدليل كما عرفت جوابه.
وبالجملة: هذا الجواب الصادر عن العَلَمين لا يسمن ولا يُغني عن جوع، فلابدّ من بيان جواب آخر.
و الذي يختلج بالبال في الجواب عن هذا الإشكال هو أن يُقال: مجرّد وجود علم إجمالي بوجود أحكام كثيرة صادرة من الشريعة في تلك الأخبار والكتب التي لم تصل إلينا لا يوجب تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إلى كلّ مسألةٍ قد فحصنا فيها ولم نجد دليلاً حتّى لا يجوز جريان البراءة فيها؛ لأنّ من شرط تنجّز العلم الإجمالي هو إمكان التنجّز في كلّ طرف لو احتمل وجود الحكم فيه، وهنا ليس كذلك لأنّ الحكم لو كان في تلك الأخبار الخارجة عن قدرتنا و أيدينا لا يوجب العلم بتنجّزه لخروجها عن الابتلاء الذي هو شرط في منجّزيّته دون فعليّته كما حرّرنا تفصيله سابقاً. فعلى هذا تحصل النتيجة بأنّ الواجب علينا بواسطة العلم الإجمالي المنجّز ليس إلاّ العلم الإجمالي الخاصّ الموجود في الأخبار الموجودة بأيدينا ليرجع إلى الانحلال إلى ذلك العلم لا هو الموجود في العام.
فثبت من جميع ما ذكر: أنّ أحسن الوجوه المقرّرة في وجوب الفحص في الشبهات الحكميّة من الوجوبيّة أو التحريميّة ليس إلاّ وجود العلم الإجمالي بعدّة تكاليف في الأخبار والكتب التي لم يكن العلم إليها إلاّ بالفحص وتحصيل تلك الأحكام إلى أن يحصل اليأس من الظفر، فالأصل حينئذٍ البراءة، إذ كلّ ما يقرّر في وجوب الفحص يكون من متفرّعات ذلك الوجه كما سنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
فالوجه الثاني في تقرير وجوب الفحص هو ما ذكره المحقّق النائيني وقبله وهو خلاصته بأنّ العقل مستقلّ باستحقاق من ترك التعلّم مع القدرة عليه بعد الالتفات إلى الشريعة وأنّ بنائها على تبليغ من الأحكام على النحو المتعارف بين العقلاء في تبليغ مقاصدهم، فمن ترك التعلّم والحال هذه كان عند العقل كتارك التكليف عن عمدٍ و علم في استحقاق العقاب... إلى آخر كلامه.
قلنا: إنّ وجوب الفحص بواسطة حكم العقل بذلك ليس إلاّ بعد الفراغ عن وجود علم إجمالي للإنسان بأنّه يتمايز عن الحيوان بواسطة التكاليف، وعلم بحسب الفطرة بأنّ الله تبارك وتعالى جعل له أنبياءٌ و رُسل لإبلاغ أحكامه، فبعد العلم بذلك يحكم له العقل بوجوب تحصيل تلك الأحكام بالطريق المتعارف عند العقلاء، فما لم يتحقّق للمكلّف هذا العلم لا يتحقّق له الدعوة إلى تحصيل المطلوب حتّى يحكم باستحقاق العقوبة عند تركه، فلابدّ في تقرير وجوب الفحص بيان وجود علم إجمالي بالأحكام فيستتبع بما قرّر في بيان استحقاق العقوبة في ترك الفحص، بل بالنظر إلى جميع الأحكام الصادرة لا يبعد صحّة دعوى المحقّق النائيني من كون وجوب الفحص من صغريات وجوب الفحص عن معجزة من يدّعي النبوّة بعد التفاته إلى المبدأ الأعلى؛ لأنّ لازم وجود النبيّ هو الإتيان بعده من الأحكام عن الله، فلابدّ من الفحص عن معجزته حتّى يحصل له العلم بنبوّته فيجب له العلم بوجوب الفحص عن الأحكام، و إنكار بعض الأعاظم كالمحقّق الأصفهاني في «نهاية الدراية» ليس في محلّه.