درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

98/08/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الأمر الخامس

 

الأمر الخامس: في بيان الإشكال الوارد في الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي الذي يستلزم العمل بالاحتياط التكرار سواء كان في التوصّليّات أو التعبّديّات، غاية الأمر يكون الإشكال في الثانية أقوى.

تقريب الإشكال: أنّ العمل بالتكرار لتحصيل الاحتياط مع إمكان السؤال وتحصيل الحال يوجب اللّعب بأمر المولى مثل ما لو علم أنّ مولاه أراد إيراد عقد النكاح فدعى العبد جميع العلماء باحتمال كون أحدهم مورد لقصد المولى لإجراء الصيغة مع إمكان السؤال له، أو أخبر حَمَلَة الموتى باحتمال موت بعض أقربائه وأتى بعدّة من الحمّالين و البنّائين والنجّارين وغير ذلك، فإنّ العرف عدّوه لاعباً بأمر مولاه، وتكون هذه الكيفيّة سُخرية بالمولى مع إمكان السؤال ورفع الاشتباه.

ولكن يمكن أن يُجاب عنه أوّلاً: بأنّ السخرية في قضيّة جزئيّة خاصّة لا يستلزم الحكم على النحو الكلّية بأن يكون في كلّ الموارد حتّى فيما (إذا) أراد إطاعة أمر مولاه في الإتيان بالمحتلمين سخرية أيضاً .

مع أنّا على فرض تسليم ذلك قلنا إذا كان قصد العبد ذلك هو السخرية فلا إشكال في استحقاق العقوبة لذلك و لو كان في الامتثال التفصيلي أيضاً، وإن لم يكن مقصوده إلاّ تحصيل مطلوبه ويترتّب عليه غرضٌ عقلائيّ فلا إشكال في حسنه وصدق الإطاعة.

مع أنّ الإطاعة تحصل بالامتثال لنفس الأمر، وليس الإتيان بأطراف المحتملات إلاّ كالضمائم المباحة في العبادات، كما أنّ انضمام تلك الضمائم والخصوصيّات لا يضرّ بأصل العبادة في سائر الموارد هكذا يكون في المقام.

وكونه لاعباً بأمر مولاه إن اُريد مع كونه قاصداً للسخرية فهو خارج عن الغرض (الفرض)، وإن كان بدون ذلك القصد بل كان المقصود هو إطاعة أمر مولاه وامتثاله فعلى فرض تسليم كونه لاعباً كان في كيفيّة الامتثال والإطاعة لا بأصل الأمر، فالتكرار في التوصّليّات قد ظهر أنّه ممّا لا إشكال فيه .

نعم، قد يشكل ذلك في التعبّديّات لأجل أمرين:

أحدهما: قصد الوجه، حيث إنّه ما لم يعلم خصوص الأمر تفصيلاً لا يمكن قصد الوجه من الوجوب والاستحباب.

وثانيهما: هو الجزم بالنيّة حيث لا يمكن إلاّ بتعيين الأمر تفصيلاً، ولذا قيل ببطلان عبادة تارك الطريقين من الاجتهاد والتقليد والعامل بالاحتياط، وليس هذا إلاّ لأجل عدم الجزم في النيّة في العبادات، هذا.

ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ قصد الوجه لا يتوقّف على العلم بوجود الأمر تفصيلاً، بل يصبح حتماً مع العلم الإجمالي بوجوده، بل لا يبعد إمكانه حتّى مع الشّك برجاء وجوده.

وثانياً: أنّه لو سلّمنا على عدم إمكانه قلنا إنّه لا دليل على لزوم ذلك القصد، بل وكذا الجزم في النيّة في العبادات لأنّ ما يقتضي ذلك إمّا أن يكون هو العقل أو الشرع وكلاهما مفقودان، أمّا الأوّل لأنّ تحقّق العبادة لا يتوقّف إلاّ على وجود الامتثال للأمر مع قصد القربة، فإذا تحقّق هذان الأمران فقد يحصل به العبادة سواء قصد الوجه من الوجوب أو الندب أم لم يقصد، والمفروض أنّ هذين الأمرين حاصلان في المقام لأنّه إذا أتى بالمأمور به ووافق المأتي به مع المأمور به كان العبد مطيعاً و مقرّباً عند العقل والعقلاء، ولا فرق في ذلك بين من أتى بالمأمور به مع احتمال الأمر أو أتى به مع علمه به، فالميزان في صحّة العبادة ليس إلاّ موافقة المأتي به للمأمور به.

نعم، قد يستدلّ بالإجماع على لزوم قصد الوجه في العبادة بواسطة كونه دليلاً شرعيّاً بعد عدم وجدان دليل من الكتاب و السُّنة و إلاّ لبيّنوه وذكروه، وحيث اعتبروا قصد الوجه قالوا بأنّ تارك طَريقَي الاجتهاد والتقليد عبادته باطلة، المعتضدة بدعوى الاتّفاق المحكي عن أهل المعقول والمنقول المعتضدة بالشهرة المحقّقة، هذا.

وفيه ما لا يخفى لأنّ دعوى الإجماع الكاشف عن وجود دليل تعبّدي ونصّ معتبر في المسألة التي فيها حكم العقل ويكون الاستدلال بحكم العقل فيها رائجاً لا يخلو عن تحكّم، ودعوى المتكلّمين والفقهاء لذلك مبنيّة على دعواهم لحكم العقل بذلك كما ترى حكم السيّد الرضيّ ودعواه إجماع أصحابنا على بطلان عبادة من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها، وكما نقل عن المحقّق الطوسي دعوى الإجماع على أنّ استحقاق الثواب في العبادة موقوفٌ على نيّة الوجه مع وضوح أنّ استحقاق الثواب حكمٌ عقليّ مترتّب على موافقة المأتى به للمأمور به من دون توقّف على قصد الوجه من الوجوب و الندب.

فظهر من جميع ما ذكرنا: بأنّ الإشكال من هذه الناحية مرتفع، والاحتياط حسن حتّى مع إمكان العلم التفصيلي بالتكليف.

مع أنّه لو شككنا في اعتبار قصد الوجه في صحّة العبادة فالمرجع على مختارنا هو البراءة لكون الشّك في العبادة يكون من حيث الأقلّ و الأكثر لأنّا نشك هل يعتبر فيها غير ما نعلم من الأجزاء و الشرائط قصد الوجه أيضاً، فالأصل البراءة، وإن كان هذا خلاف مبنى الشيخ الأعظم قدس‌سره في باب العبادات إذا كان المشكوك مثل قصد القربة ممّا لا يمكن الأخذ في متعلّق الأمر لأنّه شيء يحصل بعد تعلّق الأمر بالشيء فلا يمكن أخذه في متعلّقه حتّى يؤخذ بإطلاق الأمر، وقد قرّرنا في محلّه صحّة الأخذ في تعلّق الأمر في عالم اللّحاظ وتعلق الأمر بذلك مع تمام تلك الخصوصيّات، فإذا لم يتعلّق فيصحّ لنا التمسّك بالإطلاق لذلك، فعند الشّك في اعتباره وفي كلّ ما يكون من هذا القبيل يرجع إلى أصل البراءة.

فثبت من جميع ما ذكرنا وجود حسن الاحتياط حتّى مع التكرار، ولا ينافي كونه غير قابل للجمع لقصد الوجه لو سلّمناه فيه.

بقي الكلام في مسألة الجزم بالنيّة، حيث إنّ المحقّق النائيني قدس‌سره قد ذهب إلى أنّه يعتبر في حسن الاحتياط عقلاً عدم التمكّن من إزالة الشبهة لأنّ مراتب الامتثال عقلاً أربعة من الامتثال التفصيلي ثمّ الإجمالي ثمّ الظنّي ثمّ الاحتمالي، ولا يجوز الانتقال إلى المرتبة اللاّحقة مع التمكّن من السابقة، فيعتبر في حسن الطاعة الإجماليّة عدم القدرة على الطاعة التفصيليّة لأنّ حقيقة الطاعة هي أن تكون إرادة العبد تبعاً لإرادة المولى بانبعاثه عن بعثه، وهذا يتوقّف على العلم بتعلّق البعث نحو العمل، ولا يمكن الانبعاث بلا توسيط البعث الواصل إلى المكلّف والانبعاث عن البعث الاحتمالي ليس في الحقيقة انبعاثاً، نعم هو مرتبة من العبوديّة ونحوٌ من الطاعة، إلاّ أنّ حسنه يتوقّف على عدم التمكّن من الانبعاث عن البعث المعلوم الذي هو حقيقة العبادة و الطاعة.

وعلى ذلك جرَت طريقة العقلاء في مقام الطاعة، ولا يكاد يشكّون فيما قلناه من تقديم الامتثال التفصلي على الإجمالي، ومع ذلك لو شككنا في اعتباره فالأصل هنا هو الامتثال لا البراءة، لأنّ الأمر يدور بين التخيير والتعيين، وقد تقدّم منّا أنّه إذا دار الأمر بين التعيين لخصوص الامتثال التفصيلي أو التخيير بينه وبين الإجمالي كان الأوّل هو المطابق للأصل، وليس الشّك هنا كالشك في قصد الوجه حيث قلنا فيه البراءة لكونه شكّاً في الأقلّ و الأكثر، بخلاف المقام حيث لا يكون كذلك لعدم وجود جامع يتعيّن الأقلّ هنا بين الامتثال التفصيلي و الإجمالي حتّى يصير الشّك فيه شكّاً في الأقلّ و الأكثر وتجري فيه البراءة، بل يجري عليه حكم الشّك في المتباينين. انتهى ملخّص كلامه في «فوائد الاُصول» [1] .

وفي كلامه ما لا يخفى من الإشكال، أوّلاً: من المنع عن المراتب بذلك للامتثال عقلاً لأنّ العقل يستقلّ بكفاية إتيان المأمور به بجميع قيودها ولو باحتمال الأمر حتّى مع التمكّن من الامتثال التفصيلي لأنّه لا يعتبر في صدق الإطاعة عقلاً إلاّ الامتثال للأمر الحاصل بطريقين إمّا بصورة التفصيل أو بصورة الإجمال، إذا حصل الامتثال بالمطالبة للمأمور به وكون الإطاعة انبعاثاً ببعث الأمر وهو لا يحصل إلاّ مع العلم التفصيلي، فمع أنّه ممنوعٌ أوّلاً: بأنّ الانبعاث له مباد أُخَر من الخوف والطمع في نفس المكلّف، وإنّما الأمر يكون موضوعاً لتحقّق الطاعة، فمع احتمال الأمر أيضاً تتحقّق تلك المبادئ.

يرد عليه ثانياً: بالمنع عن توقفيّة صحّة العبادة على باعثيّة الأمر ولو لم يصدق على الإتيان حينئذٍ إطاعة أمر المولى بل صحّتها متوقّفة على إتيان الماهيّة موافقة لغرض المولى مع جميع قيودها ولو لم يكن الأمر حاصلاً إمّا لأجل غفلة المولى أو لجهله نظير وجوب إنقاذ ولد المولى ولو لم يكن الأمر صادراً عنه فيصحّ الإنقاذ مقرّباً للمولى ولو لم يصدر منه أمر أو سقوطه لأجل مصادفته لأمرٍ آخر من الضّد فإنّه يصحّ العبادة إذا أتى بها لأجل المصلحة الموجودة فيها ولو لم يكن للمولى في ذلك أمرٌ كما لا يخفى .

 


[1] فوائد الاُصول: ج4 / 269.