98/02/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأمر الخامس من الاُمور المربوطة بالأجزاء والشرائط
وثانياً: ما يقال في الاستصحاب من أنّ تبدّل بعض الحالات لا يوجب تغيّر الموضوع، إنّما يكون فيما إذا تعلّق حكم بعنوان وشك في كونه واسطة في الثبوت أو في العروض.
وإن شئت قلت: شكّ في أنّ العنوان دخيل في الحكم حدوثاً وبقاءاً أو حدوثاً فقط فيستصحب مع زوال العنوان، وأمّا إذا علم أنّ العنوان دخيل في الحكم ويكون جزءاً للموضوع فلا معنى لجريان الاستصحاب، وما نحن فيه من قبيل الثاني، فإنّا نعلم أنّ الأمر متعلّق بالمركّب بما له من الأجزاء، فمع انتفاء جزء منه ينتفي الحكم المتعلّق بالمركّب بالضرورة، فلا معنى للشكّ في بقاء شخص الحكم، إذ فرق بين المقام وبين الكرية حيث يحتمل أن لا يكون الماء المأخوذ منه داخلاً في الكرية ودخيلاً فيه فيكون الاستصحاب جارياً فيه، هذا بخلاف المقام، انتهى ملخّص كلامه[1] .
ولا يذهب عليك أنّ فقدان الجزء وتعذّره متفاوت عند العرف في المركّبات أعمّ من الخارجيّة أو العناوين الكلّية حيث إنّ الجزء المتعذّر قد يكون من الأجزاء المقوّمة والأركان الدخيلة في قوام المركّب مثل الركوع والسجدتين في العناوين الكلّية أو من أجزاء العمدة والرئيسة في المركّبات الخارجيّة كالمعاجين، ففي مثل هذه لا يساعد العرف في استصحاب وجوب المتعلّق للمركّب العام أن يأتي إلى الناقص لكونه من قبيل تبدّل الموضوع إلى موضوعٍ آخر كما هو واضح.
وأمّا إذا كان الجزء المتعذّر من أجزاء غير المقوّمة وغير الدخيلة في قوام المركّب مثل تعذّر الإنسان لمخرج الشين في جملة أشهد أن لا إله إلاّ الله في التشهّد، فحينئذٍ لو أوجب الشكّ في وجوب الباقي فلا إشكال عند العرف من المسامحة وإسراء الوجوب إلى الباقي بتعذّره ويجعله ذلك من قبيل تبدّل الحالات غير الضارّ في الاستصحاب ووحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة كما كان الأمر كذلك في المركّبات الخارجيّة حيث إنّ فقدان بعض الأجزاء التي كانت كذلك لا يوجب المنع عن وجوب الباقي وإن أوجب الشكّ فيصحّ الاستصحاب.
ولا يجري فيه إشكالٌ آخر قد ذكره المحقّق الخميني في التقريب الثالث في الاستصحاب: بأن يستصحب الشخص وجوب النفسي المتعلّق للمركّب التامّ على الناقص حيث ادّعى انّا لا نعقل تعلّق طلب واحد وإرادة واحدة على المركّب التامّ والناقص إذ المطلوب متعدّد والطلب كذلك، لأنّ المطلوب من القادر هو المركّب التامّ ومن العاجز هو الناقص، فالطلب والإرادة أيضاً متعدّدان.
وجه عدم الجريان أنّ تعدّد الطلب يقتضي تعدّد المطلوب وبالعكس إن كان المتعلّق للطلب في كلّ واحدٍ مغايراً عند العرف لمتعلّق الطلب الآخر، وأمّا إذا فرضنا أنّ العرف لا يرى تفاوتاً بين المتعلّقين وكان بالمسامحة العرفيّة هما واحداً، فلا وجه لدعوى تعدّد الطلب لتعدّد المطلوب.
كما لا يجري فيه إشكال كون هذا القسم من الاستصحاب (من الاستصحاب) الكلّي القسم الثالث كما جرى هذا الإشكال في التقريب السابق، وجه عدم جريانه لوضوح أنّ مركز استصحاب الوجوب هنا ليس إلاّ الوجوب الأوّلي الذي قد تعلّق بالمركّب حيث إنّه بعد حصول التعذّر لبعض الأجزاء غير المقوّمة ربما يوجب الشكّ في أنّ الوجوب المتعلّق بالأجزاء الباقية كان من قبيل القصير العمر مثل البق في الحيوان بحيث بعد تعذّر ذلك الجزء قد ارتفع أو كان من قبيل طويل العمر كالفيل من جهة عدم دخالة فقانه فيه فيستصحب فيكون هذا من الاستصحاب الكلّي القسم الثاني لا الثالث وهو حجّة كما لا يخفى .
فهذا الاستصحاب صحيح جدّاً، إلاّ أنّه قليل الجدوى؛ لأنّ أكثر أفراد موارد التعذّر ليس إلاّ من الأجزاء المقوّمة الدخيلة في المركّب وقلّ ما يتّفق أن يكون الجزء من الأجزاء التي لا تأثير لفقدانه في المركّب، فحينئذٍ لا يجري الاستصحاب في أكثر الموارد، ولعلّه لذلك أي لندرة موارده أعرض الأصحاب عن ذكره؛ لأنّ النادر كالمعدوم، ولذلك لم يتوجّهوا إلى مثل هذا الاستقراب في كتبهم وإلاّ كان الاستصحاب في فقدان بعض الأجزاء جارياً بالمسامحة كما قبله الشيخ الأعظم والمحقّق الحائري صاحب الدرر.