98/02/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأمر الخامس من الاُمور المربوطة بالأجزاء والشرائط
والعجب أنّه قدسسره قد سلّم ما ذكرناه في تعارض إطلاق دليلي القيد والمقيّد حيث يجعل بواسطة حديث الرفع رفع التعارض بين الإطلاقين من حكومة حديث الرفع على إطلاق دليل الجزء ويقول وليس هذا خلاف المنّة حتّى لا يجري الحديث لأنّ موافقة المنّة ومخالفتها إنّما تلحظان في مجرى الحديث ورفع الجزء حين الاضطرار منه وإثبات وجوب البقيّة ليس بمفاده ولا من لوازمه العاديّة أو العرفيّة أو العقليّة.
بل لازمه رفع التعارض ومع رفعه يكون إثبات الحكم مفاد دليل المركّب، هذا لكن الحديث إنّما يجري في الاضطرار العادي، وأمّا الاضطرار العقلي فيمكن أن يقال إنّه لا يكون مجرى الحديث لأنّ العقل يحكم بسقوطه، تأمّل.
ثمّ ذكر في حاشيته ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو على فرض جريان حديث الرفع في الاضطرار على الترك، وأمّا على عدمه فلا[1] .
وجريان قوله إلى آخره كما سيأتي إنشاء الله ذكره بعد ذلك، انتهى محلّ الحاجة.
قلنا: بأنّه قد جعل الرجوع إلى حديث الرفع بمقتضى رفع التعارض من جهة حكومة حديث الرفع على إطلاق دليل الجزء، مع أنّه يبقى السؤال ما المراد من حكومته عليه؟ إن كان مقصوده منه هو أنّه يقتضي رفع الجزئيّة عن ما هو المتعذّر فلازمه عدم كون الجزء جزءاً حال الاضطرار فبذلك يوجب سقوط إطلاق دليل الجزء فلا يمكن القول بعدم وجوب الباقي لأنّه كان مقتضى إطلاق دليل الجزء، فبإطلاق دليل المركّب يحكم بوجوب الباقي من دون معارض له.
وفيه: أنّه كيف يصحّ الحكم بتقديم الأصل على إطلاق دليل اجتهادي ويجعل ذلك حاكماً عليه وهو أمرٌ غير مقبول.
وإن شئت أن تقول: نعم يصحّ ذلك إذا لم يكن الإطلاق معارضاً مع إطلاق آخر، ففي مورد التعارض يصحّ لأجل رفع التعارض كما أشار إليه في ضمن كلامه.
قلنا: إنّ مقتضى التعارض في غير المقام ليس إلاّ الترجيح بواسطة الأصل وتقديم ما هو الموافق له على المخالف، ولازم ذلك هنا هو عدم الحكم بتقديم أحدهما، بل نتيجة التعارض هنا هو التساقط والرجوع إلى أصالة عدم جزئيّة الجزء حال التعذّر وهو لا يوجب الحكم بوجوب الباقي لما قد عرفت أنّ لسان الأصل ليس إلاّ الرفع لا الوضع والوجوب، فلابدّ من إثبات الوجوب هنا من أصلٍ آخر غير أصل البراءة من الاستصحاب أو القاعدة، فإذا لم يكن لازم الأصل إثبات الوجوب للباقي كيف يصحّ جعل الترجيح به لإطلاق المركّب وإثبات الوجوب للباقي بواسطة إطلاق المركّب، فالأولى هو الحكم بعدم التمسّك بأصالة البراءة لوجوب الباقي، كما لا يتمسّك به لنفي وجوب الباقي أيضاً لكون الأصل فيه مسبّباً عن الأصل الجاري في الجزئيّة كما قاله صاحب «عناية الاُصول»، وقد عرفت الإشكال فيه، أو يقال بالتمسّك به بالكيفيّة التي ذكرناها من جهة الشكّ في وجوبه بواسطة أصل التكليف من جهة عدم العلم بنحو تعلّق الأمر في المركّب فالشكّ فيه يوجب كون الأصل عدم تعلّقه على ما يوجب الباقي من أمرٍ جديد أو إطلاقه الأمر الأوّل للأعمّ.
ومن هنا ظهر حال التمسّك بما لا يعلمون لإثبات الوجوب للباقي أو عدمه؛ لأنّ هذا الأصل والفقرة لا ينطبق إلاّ في مورد الشكّ لوجوب الباقي أو على الجزئيّة بمعنى أنّه لا يعلم هل هو جزء حال التعذّر أم لا .
ففي حاشية «أنوار الهداية» قال الاُستاذ: وجريان ما لا يعلمون وإن كان لا مانع منه ولا فرق فيه بين الموارد، لكنّه لا يفيد في المقام على الظاهر ويشكل القول بحكومته على دليل الجزء ومع تعارضه مع دليل المركّب حتّى يبقى دليل المركّب قابلاً للتمسّك به لإثبات وجوب البقيّة (منه قدسسره) [2] .
أقول: يا ليت أن يقول بذلك فيما اضطرّوا إليه ا ءذ لا فرق بين لسان الرفع بين الفقرتين كيف ذهب إلى الحكومة في الاضطرار دون عدم العلم ؟
فالحاصل: لا يمكن إثبات الوجوب للباقي إلاّ بأصلٍ آخر أو القاعدة كما سيأتي الإشارة إليهما إن شاء الله تعالى؛ لأنّ مفاد لا يعلمون إنّما ينفي مورده من الحكم التكليفي أو الوضعي لا شيء آخر غير مورده من الإثبات، فمقتضاه ليس إلاّ نفي الجزئيّة عن الجزء المتعذّر أو نفي الوجوب عن الباقي لو أجريناه فيه، وليس مقتضى شيء منهما إثبات الوجوب لبقيّة الأجزاء كما لا اقتضاء لإطلاق دليلي المركّب والقيد لإثبات الوجوب للباقي لأجل وجود التعارض فيه في تقدير عدم وجود إطلاق أصلاً في تقدير آخر، فانحصر الطريق لإثبات ذلك إلى التمسّك بأصل آخر أو قاعدة اُخرى يوجب الوجوب للباقي.