98/02/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الأمر الخامس من الاُمور المربوطة بالأجزاء والشرائط
المقام الثاني: في بيان مقتضى سائر القواعد
والذي يمكن أن يتمسّك به من الاُصول هو أصل البراءة والاستصحاب، ومن القواعد هو قاعدة الميسور والإدراك والاستطاعة، فلا بأس بذكر كلّ واحدٍ منها برأسه حيث لا يخلو البحث عنها من فائدة، فنقول ومن الله الاستعانة:
فأمّا أصل البراءة: فقد يقال بأنّه إذا لم يثبت لأحد من الدليلين من المقيّد والقيد إطلاق أو كان لكليهما إطلاق ولم نحكم بتقديم أحدهما على الآخر فنشك في التكليف بالنسبة إلى الفاقد لبعض بواسطة العجز والاضطرار، فنتمسّك بحديث الرفع تارةً بفقرة رفع ما اضطرّوا إليه، واُخرى بما لا يعلمون، ويثبت وجوب بقيّة الأجزاء في الفاقد، لأنّ رفع الجزء عن الجزئيّة في حال العجز يوجب إثبات الوجوب للباقي، وهذا هو المطلوب.
فالآن نتعرّض للقسم الأوّل من الحديث وهو: رفع المضطرّ إليه، فيُقال: إنّه قد اُجيب عنه تارةً: بأنّه لا وجه للتمسّك به لأنّه جعل الامتنان والمنّة وإثبات الوجوب للباقي يكون خلافاً للمنّة فلا يجري فيه ذلك، فقد اُجيب عنه: تارةً: بأنّ الدليل في الرفع ليس منحصراً في حديث الرفع حتّى يرد هذا الإشكال، بل لنا دليلٌ آخر مثل حديث الحجب والسِّعة والإطلاق ونظائرها، فيجري مثل ذلك في المقام ويثبت وجوب الباقي، وهذا الأصل وارد على أصل البراءة الجاري في وجوب الباقي لأنّ الشكّ في وجوبه وعدمه كان سبباً عن الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة في حال العجز، فإذا حكمنا برفع الجزئيّة والشرطيّة فيه يوجب ثبوت التكليف على الفاقد وعدم جريان البراءة في وجوب الباقي كما لا يخفى، هذا كما عن صاحب عناية الاُصول .
أقول أوّلاً: لا نسلّم كون الرفع فقط وارداً على الامتنان استظهاراً من لفظ (على اُمّتي) كما قد صرّح بذلك، بل كيفيّة ورود هذه الأحاديث وشأنيّتها يفهمنا كونها كذلك إذ ليس الرفع والحجب والسعة إلاّ بلسان الامتنان لا التضييق، ومن الواضح أنّ الحكم بوجوب الباقي ليس سعة بل هو تضييق، فإثبات الوجوب بواسطة تلك الأحاديث ليس على ما ينبغي.
وثانياً: إنّ حديث الرفع يتعلّق بأصل التكليف بعد الاضطرار بترك الجزء أو الشرط حيث أنّ التكليف قد تعلّق بالصلاة المركّبة التامّة، فإذا انتفت بانتفاء الجزء نشكّ في تعلّق الوجوب على الباقي أم لا، فهذا التكليف لو وجد ليس بأمر الأوّل لأنّه قد انتفى قطعاً فلابدّ بأن يكون إمّا بأمر الثاني أو القول بكون الأمر الأوّل قد تعلّق بالمركّب الواجد لهذا الجزء وفاقده وإثبات مثل ذلك الأمر مع اختلاف المركّبات في تعلّق العذر لأجزائه وتتطوّره كان في غاية الإشكال، فالأصل عدمه، فإجراء البراءة لرفع الجزئيّة عن الجزء أو الشرطيّة عن الشرط وإثبات تعلّق الأمر على الباقي أشبه شيء بالأصل المثبت وليس بحجّة، مضافاً إلى أنّ التمسّك بحديث الحجب والسعة لمورد الاضطرار محطّ البحث لا يخلو عن تحكّم إذ ليس فيهما إلاّ الحجب عن العلم لا الاضطرار.
واُخرى: بأنّ لسان حديث الرفع هو الرفع وإثبات الوجوب للباقي يكون وضعاً وإثباتاً لا رفعاً، فدعوى ذلك ليس مجرى الحديث وهو كونه خلاف المنّة؛ لأنّ فرض مخالفة المنّة إنّما هو بعد فرض جريانه في ذاته، والحال أنّ إثبات الحكم ليس مفاده، هذا كما عن المحقّق الخميني، وهذا هو الجواب الثاني عن جريان حديث الرفع.
لكنّه مندفع: بأنّ حديث الرفع لا يرفع إلاّ الجزئيّة والشرطيّة في حال التعذّر وممّا رفع لا وضع، غاية أثر ذلك الرفع مع وجود الأمر لولا الإشكال الذي ذكرنا في ما قبله هو إثبات الوجوب للباقي.