97/10/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: مقتضى الأدلّة الخارجيّة في الواجبات الناقصة
وأمّا الجهة الثالثة: ويدور البحث فيها عمّا يقتضي الدليل الخارجي من صحّة ما أتى به ناقصاً سهواً، فهو قد يكون أصلاً وقد يكون دليلاً اجتهاديّاً، والبحث حينئذٍ عن فرض وجود الأصل الثانوي في المقام وعدمه ؟
قد يُقال بوجوده وأنـّه حديث الرفع، لأنّا نشكّ في أنّ الجزء المنسيّ هل هو جزءٌ حتّى في حال النسيان أو لا، فمقتضى الحديث عدم جزئيّته في تلك الحالة، ولازمه الحكم بعدم وجوب الإعادة، وإن كان مقتضى الأصل الأوّلي هو الإعادة، لأنّ بإجراء هذا الحديث يفهم أنّ المأمور به ليس إلاّ المأتي به من الأجزاء، هذا.
ولكن التحقيق أن يقال: إنّ التمسّك بهذا الحديث لإثبات الحكم المذكور يكون على وجهين:
تارةً: يُراد من التمسّك به تطبيق عنوان ما لا يُعلم.
واُخرى: يراد به ويستدلّ عليه لجهة تطبيق عنوان النسيان .
أقول: توضيح الكلام وتنقيحه يحتاج إلى تمهيد اُمور :
الأمر الأوّل: لا شبهة في أنّ مورد تطبيق عنوان لا يعلم إنّما يكون عند فقد الإطلاق الدالّ على الجزئيّة والشرطيّة، سواء كان الإطلاق متعلّقاً لدليل نفس الجزء والشرط من التكليف أو الوضع، أو متعلّقاً للأمر المتعلّق بالمركّب، لأنـّه مع وجود الإطلاق لأحدهما يكون هو المتّبع، وهو يرفع الشكّ ويُخرجنا عن عنوان ما لا نعلم، فلا يجري فيه الحديث من هذه الجهة، هذا بخلاف ما لو كان المقصود من الاستدلال بالحديث تحقّق عنوان النسيان، حيث إنّ إجرائه عليه إنّما يكون في صورة وجود دليل مطلقٍ يدلّ على الجزء أو الشرط حتّى يصحّ التمسّك بحديثالرفع فيحال النسيان إذا ترك الجزء نسياناً،وإلاّ فمع عدم وجود الإطلاق لا وجه لجريان حديث الرفع، إذ لا يكون حينئذٍ أمر ثابت في حال النسيان حتّى يتمسّك لرفعه بحديث الرفع.
الأمر الثاني: ويدور البحث فيه عن أنّ رفع الجزئيّة والشرطيّة في أيّ عنوانٍ من العنوانين، هل كان بعد الخروج عن النسيان والدخول في التذكّر والالتفات، أو كان تطبيق أحدهما مطلقاً حتّى في غير حال التذكّر والالتفات؟
قد يقال: بأنّ التطبيق لابدّ وأن يكون بعد الالتفات والتذكّر، لا حال الغفلة والنسيان، لأنّ في ظرف النسيان لا يكون الناسي ملتفتاً للعنوان المزبور، فلايعقل أن يتوجّه إليه الخطاب ليرفع الجزئيّة عن المنسي.
ولكن يمكن أن يقال في جوابه: لو فرضنا جريان حديث الرفع في حقّه ورفع الجزئيّة عنه فإنّ الرفع المذكور شمل حالتيالغفلة والنسيان، لأنـّه كان جارياً في حقّه في الواقع بحسب مقام الجعل والتشريعلعروض الجهل أو النسيان، غاية الأمر لا يكون لذلك أثرٌ في عالم الامتثال، إلاّ بعد رفع غفلته ونسيانه وتذكّره، ومن ثمّ محاولته الإعادة لأجل تركه، فإذا التفت إلى تركه له، تنبّه إلى أنّ هناك قاعدة مشرّعة في حقّه وهي حديث الرفع الدال على عدم الإعادة عليه، وعليه فعالم التشريع والواقع لا ربط له بالتفاته وعدمه.
وأمّا مسألة عدم إمكان توجّه الخطاب إليه في حال الغفلة والنسيان، فقد عرفت جوابه فيما سبق، بأنّ التذكّر شرطٌ في الخطابات الشخصيّة دون الخطابات الكلّية والقانونيّة، فمثل هذا لا يكون مانعاً في المسألة كما لا يخفى.
الأمر الثالث: إنّ الحديث ورد في مقام الامتنان؛ أي يجري فيما إذا كان رفعه منّة على العباد وتوسعةً لهم، فإذا كان رفعه في مقام لايقتضي التوسعة المذكورة، بل أوجب الضيق، أو إذا لم يكن في جريانه فيه سعةً ولا ضيقاً، لما كان الحديث جارياً، فإجراء الحديث في رفع النسيان إن قلنا بأنّ معناه خصوص إيجاب الإعادة مثلاً، بأن يقال فرضنا بأنّ رفع النسيان ليس معناه إلاّ أنـّه كالترك عن عمدٍ وعلم، أي كأن لم يكن المكلّف ناسياً، فإنّ الأثر المذكور يكون مترتّباً، وهو ليس إلاّ البطلان ولزوم الإعادة، وعليه فهذا التقرير يوجب المنع عن جريان الحديث، لاستلزامه خلاف الامتنان وهو التضييق بالإعادة.
كما أنـّه لا قدرة لحديث الرفع على رفع الحكم الواقعي ؛ لأنّ رفعه وإثباته لا تأثير لهما في حقّ المكلّف ، لأنّ الأحكام الواقعيّة التي لا يمكن الوصول إليها إلاّ بالأدلّة التي يمكن أن نصل إليها ويمكن أن لا نصل إليها لا أثر لها على المكلّف، حتّى يجري فيها الحديث ، إذ جريانه لا يوجب التوسعة على المكلّف ، حتّى يكون امتناناً.