97/10/15
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة الوحيد البهبهاني في الفرق بين الأجزاء والشرائط
أقول: ولا يخفى ما في كلامه من الإشكال:
أوّلاً: لما قد عرفت بأنّ حال الجزئيّة والشرطيّة في المركّبات على حسب حال الخطابات الكلّية، سواء كانت بنحو الأمر النفسي المتعلّق بالأجزاء والشرائط، أو بنحو الأوامر الغيريّة للأجزاء والشرائط، لوضوح أنّ الخطاب لم يكن متوجّهاً إلى شخص حتّى يقال بعدم إمكانه، بل متوجّهٌ إلىالعموم، فيساوي فيه العالموالجاهل، والقادر والعاجز، والذاكر والناسي، فمقتضى الدليل الأوّلي المستظهر للملاك، هو لزوم الإتيان بالأجزاء والشرائط، بلا فرقٍ فيه بين الحالات، فإذا ترك أحدها بأيّ وجهٍ كان، كان مقتضى دليله وجوب الإعادة، ما لم يدلّ دليلٌ على خلافه، بلا فرق بين كونه ناسياً في جميع الوقت، أو تذكّر في أثنائه، وبين أن لم يتذكّر أصلاً، أو تذكّر بعد خروج الوقت، غاية الأمر أنـّه إن لم يتذكّر أصلاً كان معذوراً ولا عقوبة عليه، لعدم تنجّز التكليف في حقّ الناسي كما لا يخفى .
فمع هذا التقرير لا مجال للشكّ في الإطلاق وعدمه، حتّى يكون المرجع إلى الأصل العملي، ومع ذلك لو فرض إمكان وقوع الشكّ،ولم يكن لنا دليلٌ آخر اجتهادي يدلّ على وجوب الإعادة وعدمه، ولم يحكم العقل أيضاً بوجوب الإعادة، فحينئذٍ يدخل المورد في صغريات الشكّ في الأقلّ والأكثر، ولكن لا يبعد القول هنا بالاشتغال بالخصوص، ولو لم نقل في غيره، لأجل احتمال وجود الملاك في الإتيان بالعبادة مع جميع أجزائه وشرائطه، إلاّ أن يدلّ دليلٌ على خلاف ذلك، كما لا يبعد أن يكون كذلك، كما هو الحال بالنسبة إلى وجود حديث لا تعاد وأمثاله، فتأمّل جيّداً.
وثانياً: أنـّه لو سلّمنا عدم الإطلاق للدليل، سواء كان هو الأمر النفسي أو الغيري، وعرض لنا الشكّ في جزئيّة المنسيّ بعد حال النسيان، فلا وجه للقول حينئذٍ بوجوب الإعادة بعد التذكّر في الوقت، لأنّ إجراء البراءة بمقتضى الشكّ في جزئيّة الجزء ليس مخصوصاً بحال وجود النسيان، يعني ليس الأمر كذلك بأن يعلم أنّ الجزء المنسيّ في حال الإتيان والالتفات إليه بعده، كان جزئيّة الجزء مسلّماً واقعاً، ولا شكّ في عدم سقوطه حتّى نلتزم بمقالته، بل الشكّ كان من جهة أنّ حدوث النسيان للجزء حال الإتيان إلى أن يخرج عن محلّ التدارك هل يوجب سقوطه عن الجزئيّة أم لا؟ فالأصل هو البراءة على مسلكه، والمفروض وجود هذا النسيان هنا. فالقدرة على الإتيان بالطبيعة الواجدة في الوقت لا يوجبُ الحكم بوجوب الإعادة لأجل التمسّك بالإطلاق، كما تمسّك به رحمهالله، لأنّ المفروض عدم وجود الإطلاق القابل للشمول لحال عروض النسيان، حتّى لما عرض له الالتفات بعد العمل، وإلاّ إن كان الإطلاق على نحوٍ يدلّ عليه، فلا إشكال في وجوب الإعادة، لكنّه خلافٌ للفرض.
وثالثاً: يرد عليه ـ بما ذكره في صورة تذكّره في أوّل الوقت، ونسيانه بعده، من التمسّك بالاستصحاب لإثبات الوجوب، للشكّ فيالسقوط بسببالنسيانالطارئ الزائل في الوقت ـ :
أوّلاً: بأنّ التذكّر بالوجوب الفعلي على العمل التامّ لا يوجُب تنجّز التكليف لحال النسيان، فإذا لم ينجّز فالشكّ في الجزئيّة نتيجة حدوث النسيان يجري فيه، فاستصحاب الوجوب مقطوع العدم في حال النسيان بالنظر إلى وجوبه، كما أنـّه بالنظر إلى جزئيّته بدون الوجوب مشكوكٌ، فالأصل البراءة .
وإن اُريد استصحاب بقاء الجزئيّة بحسب الملاك الثابت في أوّل الوقت، فحينئذٍ لا فرق في وجود هذا الملاك بين التذكّر في أوّل الوقت وعدمه، لأنـّه يثبت بتحقّق أصل التكليف المتوجّه للمكلّفين ومنه الناسي، غاية الأمر أنـّه معذورٌ لطروّ النسيان، فيرجع حينئذٍ إلى ما قلنا.
ثانياً: لا فرق بين كون النسيان زائلاً بعد العمل أم لم يكن زائلاً، فجعل الاستصحاب الجاري في النسيان الزائل في الوقت ممّا لا وجه له، لأنـّه إن ثبت الاستصحاب للتكليف بالتذكّر في أوّل الوقت، وجب عليه الإعادة إمّا في الوقت إن تذكّر فيه، والقضاء في خارجه إن تذكّر بعده بلا فرق في ذلك بين مسلكه ومسلكنا، لوجود الملاك حينئذٍ بالتذكّر في أوّل الوقت.