97/09/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: استعراض كلام المحقّق النائيني ومناقشته
أقول: ويرد على كلامه من عدّة جهات:
الجهة الاُولى: إنّ مراد الشيخ من الشبهة الموضوعيّة هو ما كان أصل الحكم من حيث الكبرى معلوماً ـ دون الصغرى ـ والموضوع مشكوكاً، وكان بلا واسطة، أي بأن لا يكون من قبيل المتعلّق للمتعلّق، فإنّ المثال الذي مثّله الشيخ بالصوم لشهرٍ هلالي المردّد موضوعه بين الثلاثين أو أقلّ كان الموضوع هنا بنفسه مشكوكاً لا أصل حكم وجوب الصوم، فحيث أنّ المتعلّق هنا هو عنوان الهلال وقد شكّ في حصوله بأقلّ من الثلاثين فحَكَم بالاشتغال، وهذا بخلاف مثل: (أكرم العلماء) إذا لوحظ بنحو العام المجموعي، حيث إنّ الحكم هنا معلومٌ، لأنّ مفهوم العلماء الذي اعتبر موضوعاً للحكم معلوم، والمشكوك هو متعلّق المتعلّق، فهو وإن كان من حيث التسمية داخلاً تحت الشبهة الموضوعيّة، إلاّ أنّ دخوله يكون بطريق أولى، ولكن لا ينافي ذلك أن يكون حكمه من حيث البراءة والاشتغال مختلفاً مع المثال الذي ذكره الشيخ قدسسره، كما هو الأمر كذلك، لأنّ رجوع معنى الشكّ في عالميّة فردٍ إلى الشكّ في كونه داخلاً تحت الحكم وعدمه، والأصل عدمه، فلا ينافي ذلك مع الحكم بالاشتغال في مثل وجوب الصوم لشهرٍ هلالي، لأجل كونه من قبيل الشكّ في المحصّل كما قاله الشيخ رحمهالله .
الجهة الثانية: أنّ ما ذكره بأنّ الشكّ في جزئيّة السورة من قبيل الشبهة الحكميّة لا الموضوعيّة، بإطلاقه غير صحيح، لإمكان أن يكون وجه الشكّ في جزئيّتها لأجل أنـّه قد أمر بقراءة القرآن في الصلاة، فيشكّ حينئذٍ هل السورة الفلانيّة مثلاً هي جزءٌ من القرآن حتّى يصير جزءً للصلاة أم لا، فيصير هذا من قبيل الشكّ في الشبهة الموضوعيّة لأجل الشكّ في جزئيّة السورة.
نعم، في الشكّ في جزئيّها الذي ذكرهالنائيني رحمهاللهيكون شكّاً في الشبهة الحكميّة، فدعواه أنّ الأجزاء لا يمكن أن تتحقّق فيها الشبهة الموضوعيّة لأنّ التكليف بها ليس له تعلّق بالموضوع الخارجي، ليس على ما ينبغي.
الجهة الثالثة: إنّ التفكيك الذي التزم به بين الموانع والشروط، باعتبار أنّ الموانع أمرها عدمي فيصحّ دخولها في الأقلّ والأكثر، لأنّ عدم كلّ قيدٍ من غير المأكول أُخذ قيداً للصلاة، فمرجع الشكّ في فردٍ يعود إلى الشكّ في كون عدمه مأخوذاً وعدمه، والأصل البراءة، وهذا بخلاف الشرائط حيث إنّ وجوده بفردٍ ما شرطٌ، وهو تكليفٌ واحد، فلا يدور أمره بين الأقلّ والأكثر.
ليس في محلّه، لأنّ المانع كما قد تعلّق بعنوان أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ويشكّ في فردٍ بعد معلوميّة أفراده، كذلك يكون في الشرطيّة إذا جعلنا عنوان أجزاء المأكول شرطاً، حيث إنّ هذا العنوان له فردان ما هو معلومٌ بأنـّه مأكولٌ، وفرد مشكوك فيه. وعموم شرطيّة الصلاة إنّما هو على العموم البدلي، يعني لابدّ الإتيان معه بأحد الأفراد، فالشكّ في الفرد يعود إلى الشكّ في كفايته في المعيّة، فمقتضى الجمع مع ملاحظة جميع الأفراد هو الشكّ في الأقلّ والأكثر في العموم البدلي، أي هذا أو هذا،نظير العمومالاستغراقي في الموانع، والاختلاف في كيفيّة نحو المجموع لا يؤثّر في المطلوب من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في أصل العنوان.
نعم، أصل الفرق في المانع والشرط إنّما كان من جهة كيفيّة أصلهما، حيث إنّ مقتضى أصل العدم في المانعيّة جواز الصلاة مع ذلك المشكوك، ومقتضى أصل العدم في الشرط هو عدم الجواز، لعدم إحراز الشرط مع الإتيان بالمشكوك، والافتراق في مقتضى كلّ ذلك لا يوجُب خروج الشرط عن بحث الأقلّ والأكثر كما فرضه قدسسره .
وبالجملة: ظهر من جميع ما أوردنا عليه أنّ المسألة من جهة الأصل بأنـّه هل هو البراءة أو الاشتغالفيالشبههالموضوعيّهمختلفة،إنْكان المورد من قبيل الشكّ في المحصِّل والمحصَّل، كما هو الأمر في الشروط أو في بعض الأجزاء إذا كان أصلالمتعلّقمعلوماًومحصّلهمشكوكاً،نظير ما مثّلهالشيخ رحمهالله،فالأصلهو الاشتغال.
وأمّا إن لم يكن كذلك، بأن كان من قبيل الشكّ في مصداق العام ـ كما في الموانع ـ أو في الأجزاء التي كانت متعلّقاً للمتعلّق، مثل ما في: (أكرم العلماء)، والشكّ في فردٍ كونه فرداً أو في مانعٍ في كونه مانعاً، فالأصل البراءة لا الاشتغال، والله العالم.