97/09/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: استعراض كلام المحقّق النائيني ومناقشته
وإن لوحظ على نحو المجموعي، يرجع الشكّ في عالميّة بعض إلى الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطي، فإنّه لم يتعلّق التكليف الاستقلالي بإكرام ما يشكّ في كونه من أفراد العلماء، على تقدير أن يكون من أفراد العلماء واقعاً، لأنـّه ليس هناك إلاّ تكليف واحد تعلّق بإكرام مجموع العلماء من حيث المجموع، فيكون إكرام كلّ فردٍ من العلماء بمنزلة الجزء لإكرام سائر العلماء، كجزئيّة السورة للصلاة، فإنّ الإخلال بإكرام أحد الأفراد يوجب الإخلال بإكرام الجميع، ويتحقّق عصيان التكليف بذلك،لأنّ معنى العامالمجموعي هو لحاظ الأفراد المتباينة مرتبطهبعضها ببعض، يقوم بها ملاك واحد، فيكون كلّ فرد من أفراد العلماء بمنزلة الجزء لسائر الأفراد، يتوقّف امتثال التكليف على إكرام الجميع، فالشكّ في وجوب إكرام بعض الأفراد يكون كالشكّ في وجوب السورة، ويرجع إلى الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطي،غايته أنّ التكليف بالسورة ليس له تعلّق بالموضوعالخارجي، فلا يمكن أن تتحقّق الشبهة الموضوعيّة فيها، بل لابدّ وأن تكون حكميّة بخلاف الشكّ في وجوب إكرام من يشكّ في كونه من أفراد العلماء، فإنّ الشبهة فيه موضوعيّة.
فظهر أنّ تردّد نفس تعلّق التكليف بين الأقلّ والأكثر في الشبهة الموضوعيّة أمرٌ بمكان من الإمكان وأمثلته في الفقه كثيرة:
منها: ما إذا تردّد لباس المصلّي بين كونه من مأكول اللّحم أو غيره، فإنّ مانعيّة غير المأكول تختلف سعةً وضيقاً على حسب ما لغير المأكول من الأفراد خارجاً، ويكون كلّ فردٍ منه مانعاً برأسه، فإنّ الأصل في باب النواهي النفسيّة والغيريّة هي الانحلاليّة، فكما أنّ النواهي النفسيّة كقوله: (لا تشرب الخمر)، ينحلّ إلى النواهي المتعدّدة بعدد ما للخمر من الأفراد خارجاً، كذلك النواهي الغيريّة كقوله: (لا تصلِّ فيما لا يؤكل)، ينحلّ إلى نواهي متعدّدة بعدد ما لغير العدميّة بمقدار ما للغير المأكول من الأفراد، ويكون قوله: (لا تصلِّ فيما لا يؤكل)، بمنزلة قوله: لا تصلِّ في هذا الفرد، ولا تصل في ذلك الفرد وهكذا، فلو شكّ في اتّخاذ اللّباس من غير المأكول يرجع الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة ذلك اللّباس، وأخذ عدمه قيداً في الصلاة، فيؤول الأمر إلى الشكّ بين الأقلّ والأكثر في الشبهة الموضوعيّة، للعلم بمانعيّة ما عُلم اتّخاذه من غير المأكول، وتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه، والشكّ في مانعيّة ما يشكّ في اتّخاذه من غير المأكول وتقييد الصلاة بعدم وقوعها فيه، والكلام فيه عين الكلام في الأجزاء والشرائط من حيث جريان البراءة الشرعيّة في القيديّة الزائدة المشكوكة، وعدم جريان البراءة العقليّة فيها، إذ لا فرق بين الأجزاء والشرائط والموانع في مناط جريان البراءة.
نعم، في الأجزاء لا يمكن أن تتحقّق الشبهة الموضوعيّة، لأنّ التكليف بها ليس له تعلّق بالموضوع الخارجي، وفي الشرائط وإن كان يمكن تحقّق الشبهة الموضوعيّة فيها، إلاّ أنـّه لا يرجع الشكّ فيها إلى الشكّ بين الأقلّ والأكثر، لأنّ الشرطيّة لا تنحلّ إلى شروط متعدّدة بمقدار ما للموضوع من الأفراد خارجاً، فإنّ التكليف في باب الشروط إنّما يتعلّق بالوجود، ولا يمكن التكليف بإيجاد المتعلّق في كلّ ما يفرض من أفراد الموضوع خارجاً، فلو فرض أنّ كون اللّباس من مأكول اللّحم شرطٌ في الصلاة، لا أنّ غير المأكول مانع، فلا يمكن التكليف بإيجاد الصلاة في كلّ فردٍ من أفراد اللّباس المتّخذ من مأكول اللّحم، بل ليس هناك إلاّ تكليفٌ واحد تعلّق بإيجاد الصلاة في فردٍ مّا من اللّباس المتّخذ من مأكول اللّحم، ولابدّ من إحراز وقوع الصلاة في ذلك، كما هو الشأن في كلّ شرطٍ حيث إنّه يلزم إحرازه، فلا تجوز ا لصلاة فيما شكّ في كونه من مأكول اللّحم بناءً على شرطيّة اللّباس المتّخذ من مأكول اللّحم، ولا تجري في ذلك البراءة، لأنـّه ليس هناك إلاّ تكليفٌ واحدٌ يجب الخروج عن عهدته، فالشبهة الموضوعيّة في باب الشروط لا ترجع إلى الأقلّ والأكثر.
وهذا بخلاف الشبهة الموضوعيّة في باب الموانع، فإنّها ترجع إلى الأقلّ والأكثر، لأنّ التكليف فيها إنّما يتعلّق بالعدم، ويمكن أن يكون عدم كلّ فردٍ من أفراد اللّباس المتّخذ من غير المأكول قيداً في الصلاة، وأخذ وجوده مانعاً فيها، فتجوز الصلاة في ما شكّ في أخذه من غير المأكول)، انتهى محلّ الحاجة[1] .