97/09/21
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن جريان البراءة في الأسباب والمسبّبات والمحصِّل والمحصَّل وعدمه
فإذا ظهر لك معنى حقيقة السببيّة والمسبّبيّة في المجعولات، وبانَ لك أقسام الأسباب والمسبّبات، نقول:
غاية ما يمكن أن يتوهّم جريان البراءة الشرعيّة في السببيّة والمسبّبيّة الشرعيّتين، هو أن يقال:
إنّ المسبّب إذا كان مثل السبب مجعولاً، وقام الشكّ في كون معلّق الأمر هو الأقلّ أو الأكثر، وأقدم المكلّف على أداء الأقلّ، يصبح الشكّ في تحقّق المسبّب حينئذٍ ناشئاً عنالشكّ في دخالة الجزء أو الشرط المشكوك فيهما،فجريانحديث الرفع في السبب يرفع الشكّ عن المسبّب، فيحكم بتحقّقه لوجود الأقلّ وجداناً، ورفع الزيادة بحديث الرفع، وليست السببيّة عقليّة حتّى يكون من الأصل المثبت.
لكنّه مدفوع: بأنّ السببيّة وإن كانت شرعيّة، إلاّ أنّ الشكّ في تحقّق المسبّب ناشٍ عن الشكّ في كون الأقلّ تمام السبب أو جزئه، فرفع الزيادة بالأصل لا يثبت كون الأقلّ هو تمام السبب إلاّ بالأصل المثبت، هذا أوّلاً .
وثانياً: إنّ المسبّب الذي كان هو المأمور به ليس أمراً مركّباً حتّى يدور أمره بين الأقلّ والأكثر، بل المسبّب على الفرض أمرٌ بسيط يدور أمره بين الوجود والعدم، ففي مثله لا يجري فيه إلاّ الاشتغال لا البراءة، فمجرّد كون الأسباب أو المسبّبات من الاُمور المجعولة لا يوجبُ جريان البراءة فيه، بل المدار في جريان البراءة وعدمه ملاحظة حال المأمور به هل هو المسبّب المحصّل البسيط فمورده الاشتغال، أو أنـّه السبب والمحصِّل المركّب بين الأقلّ والأكثر فمورده البراءة.
أقول: وأمّا البحثفيمايتّبعالمواردالثلاثمنالشبههالموضوعيّهفيالأقلّوالأكثر الارتباطي، ففي ذلك نرجع إلى كلام الشيخ الأعظم قدسسره في فرائده حيث قال:
(المسألة الرابعة: فيما إذا شكّ في جزئيّة شيء للمأمور به من جهة الشبهة في الموضوع الخارجي، كما إذا أمر بمفهومٍ مبيّن مردّد مصداقه بين الأقلّ والأكثر، ومنه ما إذا وجب صوم شهرٍ هلالي هو ما بين الهلاليين، فشكّ في أنـّه ثلاثون أو ناقص، ومثل ما أمر بالطهور لأجل الصلاة، أعني الفعل الرافع للحدث أو المبيح للصلاة، فشكّ في جزئيّة شيء للوضوء أو الغُسل الرافعين، واللاّزم فيه الاحتياط لأنّ المفروض تنجّز التكليف بمفهومٍ مبيّن معلوم تفصيلاً، وإنّما الشكّ في تحقّقه بالأقلّ، فمقتضى أصالة عدم تحقّقه وبقاء الاشتغال عدم الاكتفاء به، ولزوم الإتيان بالأكثر، ولا يجري هنا ما تقدّم من الدليل العقلي والنقلي الدالّ على البراءة، لأنّ البيان الذي لابدّ منه في التكليف قد وصل من الشارع، فلا ينفسخ المؤاخذة على ترك ما بيّنه تفصيلاً، فإذا شكّ في تحقّقه في الخارج فالأصل عدمه، والعقل أيضاً يحكم بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه تفصيلاً؛ أعني المفهوم المعيّن المأمور به، ألا ترى أنـّه لو شكّ في وجود باقي الأجزاء المعلومة، كأن لم يعلم أنـّه أتى بها أم لا، كان مقتضى العقل والاستصحاب وجوب الإتيان بها)[1] .
ثمّ ذكر رحمهالله وجه الفرق بين المقام وبين الشبهة الحكميّة وحكم بأنّ التكليف في الثاني في أصله مشكوك فيجري البراءة، وهنا كان معلوماً تفصيلاً، والشكّ كان في سقوطه، فمقتضى الأصل هنا الاحتياط.