97/09/13
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأسباب والمحصّلات
وأمّا الأسباب والمسبّبات الشرعيّة كالطهارة عن الحَدَث إذا كانت الغَسَلات والمَسَحات محصّلهللغُسل والوضوء،وكانالمأمور به هو الطهارة لا تلك الغسلات، وإنّما هي قد تعلّق الأمر بها لأجل تحصيل تلك المسبّبات، فهل يجري في المشكوك من أجزاء السبب أو شرائطه أصل البراءة أم لا يجري بل يجب فيه الاحتياط؟
أمّا المحقّق النائيني رحمهالله في «فوائد الاُصول»: فقد اختار الاحتياط، وجعل وجهه على القول بعدم مجعوليّة السببيّة بأنّ شمول أدلّة البراءة للمحصّلات الشرعيّة تتوقّف على أن تكون الأسباب مجعولات شرعيّة لا المسبّبات، مع أنّ الأمر ليس كذلك، لأنّ المجعول عبارة عن نفس المسبّبات، وترتّبها على أسبابها مثل ترتّب الطهارة علىالغَسَلاتالثلاث، والنقل والانتقال على البيع والشراء لا الأسباب، لأنـّها خارجة عن دائرة الجعل، ولا تناله يد الوضع والرفع التشريعي، لأنّ جعل المسبّبات يُغني عن جعل أسبابها، فالشكّ في جزئيّة شيء للسبب أو الشرطيّة يرجع إلى الشكّ في ترتب المسبّب على الفاقد، فيكون شكّاً في الامتثال، فلابدّ من الاحتياط، لأنـّه لا يحصل العلم بالإتيان إلاّ بإتيان المشكوك، بل وهكذا مقتضى الأصل هو الاحتياط إن قلنا بمجعوليّة السببيّة، ولم نقل بجعل الجزئيّة والشرطيّة جعلاً مستقلاًّ مغايراً لجعل السببيّة، لأنّ الشكّ في جزئيّة شيء للسبب يرجع إلى الشكّ في جعل الشارع الأقلّ سبباً لترتّب المسبّب مع القطع بسببيّة الأكثر لذلك، فإجراء البراءة عن سببيّة الأقلّ ورفعه يوجب عكس النتيجة المطلوبة، لأنّ مقتضى ذلك هو الحكم بالاحتياط، لأنّ معناه عدم ترتب المكلّف به على الناقص، فلابدّ الإتيان بالأكثر.
نعم، لو كان نفس الجزئيّة والشرطيّة مجعولاً مستقلاًّ، فشك في فردٍ وارتفع بدليل البراءة، ينتج المطلوب، ولكنّه يستحيل جعل المستقلّ للأجزاء والشرائط بعد كون السببيّة بنفسه مجعولاً، فلا محيص من القول بالاحتياط، عكس الشكّ في متعلّقات التكليف في الأقلّ والأكثر، حيث يجري فيه البراءة، لأنّ الأقلّ هناك مسلّماً كان واجباً، فالشكّ في الجزء المشكوك وهو الأكثر، فالأصل البراءة، بخلاف المقام حيث إنّ السببيّة للناقص إذا ارتفع ينتج خلاف المقصود وهو الاحتياط وهو سببيّة الأكثر.
ثمّ قال رحمهالله في آخر كلامه: فتأمّل. وجعل وجهه في ذيله، عدم الفرق بين الموردين بناءً على جعل السببيّة، لأنّ تعلّق التكليف بالأكثر وإن كان مشكوكاً، إلاّ أنّ تحقّق الامتثال وحصول البراءة به كان معلوماً، وكذلك الأمر في الأسباب، فإنّ جعل الأكثر سبباً وإن كان مشكوكاً، إلاّ أنّ ترتب المسبّب عليه يكون معلوماً، وكذا الحال في طرف الأقلّ، فكما أنّ التكليف بالنسبة إليه معلومٌ كذلك دخل الأقلّ في ترتب المسبّب عليه يكون معلوماً، فلا فرق بينها بين طرفي الأقلّ والأكثر، فحينئذٍ يتّضح رفع الجزئيّة المشكوك برفع منشأ انتزاعها، وهو جعل الأكثر سبباً كما في متعلّقات التكليف، ولا يحتاج إلى جعل الجزئيّة بجعلٍ مغايرٍ لجعل السبب.
ثمّ أمر بالتأمّل هنا أيضاً، راجع تفصيل ذلك في تقريراته[1] .