97/09/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: دوران الأمر بين الوجوب والشكّ في عِدْله
وأمّا الصورة الثالثة: من القسم الأوّل :
وهي أن يعلم وجوب فعلٍ في الجملة، واحتمل كون الآخر عدلاً له وواجباً، ولكن لم يحرز وجوبه ولا كونه مُسقِطاً، ومثّلوا له بما علمنا وجوب الصيام في يومٍ، واحتملنا كون إطعام عشرة مساكين عِدْلاً له في تعلّق الوجوب التخييري بهما، حيث وقع الخلاف في حكمه بين الأعلام في كون المرجع هو الامتثال والحكم بالتعيين، أو البراءة والحكم بالتخيير:
ذهب إلى الأوّل جماعة من المحقّقين كما عن سيّدنا الخوئي، واستدلّوا على ذلك بوجوه لا بأس بذكرها:
الوجه الأوّل: ما ذكره صاحب «الكفاية» حيث فصّل فيه بأنّ دوران الأمر بين التعيين والتخيير إن كان من جهة احتمال أخذ شيء شرطاً للواجب، مثل عدم الإتيان بالإطعام مثلاً، كان شرطاً في وجوب صيام شهرين في كفّارة تعمّد الإفطار، ففي مثله يصحّ إجراء البراءة والحكم بالتخيير، لأنّ الشرطيّة أمرٌ قابل للوضع والرفع، فيشملهما حديث الرفع عند الشكّ فيهما.
هذا بخلاف ما لو كان الدوران بينهما من جهة احتمال دخل خصوصيّة ذاتيّة في الواجب، حيث أنّ الخصوصيّة ذاتيّة منتزعة عن ذات الخاص، فلا تكون قابلة للوضع والرفع، فلا يشمله الحديث، فلا يمكن الرجوع إلى البراءة عند الشكّ، فلا مناص عن الحكم بالاشتغال والتعيّن، هذا .
أقول: لكنّه مخدوش؛ لأنّ اعتبار هذه الخصوصيّة في المأمور به وعدمه كان أمره بيد الشارع وقابلاً للوضع والرفع، فبذلك يدخل في حديث الرفع، وإن كان أصل الخصوصيّة ذاتيّة منتزعة عن ذات نفس الخاص، وغير قابل للوضع والرفع، ولا شكّ لنا في ذلك.
نعم لو شككنا في أصل ذلك، وأنـّه هل هو أمرٌ قابل للرفع والوضع أم لا، كان المرجع هو الاشتغال، لأنّ التمسّك بعموم حديث الرفع فيه يصير من قبيل التمسّك بعموم العام في الشبهة المصداقيّة.
ولكن قد عرفت عدم الشكّ في قابليّته بتقريب الذي ذكرنا، فالأصل هنا هو البراءة والتخيير لا الاشتغال والتعيين.
الوجه الثاني: ما ذكره المحقّق النائيني قدسسره من أنّ مقتضى القاعدة هنا الاشتغال، لأنّ الشكّ هنا شكٌّ في حصول الامتثال بعد العلم بثبوت التكليف؛ لأنّ الصيام كان مفرّغاً للذمّة قطعاً ويقيناً، وأمّا الإطعام فسقوطه للتكليف المعلوم المتعلّق بالصيام مشكوكٌ فيه، فلا يجوز الاكتفاء به في مقام الامتثال بحكم العقل.
وأجاب عنه المحقّق الخوئي بما هو حاصله: (بأنّ التخيير المحتمل هنا إمّا عقلي إن كان متعلّق التكليف يحتمل كونه هو الجامع الحقيقي بين أفراده، أو متوجّهاً إلى حصّةٍ خاصّة وفردٍ مخصوص وهو الصيام، فأصل تعلّق التكليف بالجامع معلوم، والتقيّد بالخصوصيّة مشكوك، فالأصل يقتضي عدمه، ولا يعارضه عدم الإطلاق، لأنـّه مبنيٌّ على التوسعة، ولا يجري فيه الأصل، فلا يبقى مجال للرجوع إلى الاشتغال في مرحلة الامتثال.
ثمّ الحق التخيير المحتمل الشرعي إلى التخيير العقلي بوجود جامعٍ عنواني بمثل أحد الشيئين أو الأشياء وهو المعلوم، وكذلك في الإطلاق والتقييد، فالأصل عدم التقييد فيثبت التخيير)، انتهى كلامه[1] .