97/08/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: دوران الأمر بين التخيير وسقوط التكليف
أقول: ثمّ إنّه قدسسره نقل عن اُستاذه المحقّق النائيني في كتابه المذكور:
أنـّه استدلّ على كون وجوب القراءة تعييناً في خصوص هذه المسألة التي جعلوها مثالاً لهذه الصورة، بما ورد عن النبيّ صلىاللهعليهوآله: «إنّ سين بلال شين»، بتقريب أنّ الايتمام لو كان عِدْلاً للقراءة لوجب عليه الإتمام على تقدير التمكّن منه، وعدم جواز الاكتفاء بالسين بدلاً عن الشين.
فأورد عليه رحمهالله في «مصباح الاُصول» بما خلاصته:
(وفيه أوّلاً: أنّ الرواية ضعيفة بالإرسال، فلا يصحّ الاستدلال بها، لكن شهرته في الألسنة وكتب المواعظ يكفينا[1] .
وثانياً: إنّ ما يتحمّله الإمام من القراءة في الايتمام ليس فيه شين حتّى يتعيّن عليه الايتمام بتعذّر الشين، فأمر بلال دائرٌ بين ترك الصلاة رأساً أو إتيانه بالسين، فأمره صلىاللهعليهوآله بالثاني على تقدير صحّة الرواية لئلا يترك الصلاة، لعدم قدرته على غير ذلك، لأنّ تشهّده كان بقرائته بلا فرقٍ بين الفرادى والجماعة)[2] .
وفيه: إنّه لم يقصد من ذلك تحمّل الإمام لحرف الشين، حتّى يرد عليه، بل مقصوده بيان قاعدة كلّية تستفاد من هذه الرواية، وهي أنـّه إذا كان المصلّي عاجزاً عن الأداء الصحيح صحّ بدليّة لحنه عن صحيحه ، فبذلك يستظهر أنّ من عجز عن قراءة الصحيح في سورة الفاتحة مثلاً صحّ بدله وكفاه، مع أنـّه لو كان الايتمام عِدْله، وجب أن يحكم بإتيانه لا أن يحكم بكفاية بدله الملحون، فيصحّ بذلك استدلال اُستاذه رحمهالله من هذه الناحية، ولا يرد عليه ما أورده في ثانيه.
ثمّ قال رحمهالله بعده: وأشار إلى ما ذكرناه بقوله: (ولو كان الاستدلال المذكور مبنيّاً على أنّ قوله: «إنّ سين بلال شين» يدلّ على أنّ التلفّظ بالحروف غلطا، يكفي عن التلفّظ بها صحيحاً عند التعذّر، حتّى في القراءة، فلا يجب الايتمام، فيستكشف منه عدم كونه عِدْلاً للقراءة .
ثمّ ردّه بقوله: فيردّه أنّ هذا خروج عن مفاد النصّ، فإنّ مفاده الاكتفاء بالسين بدلاً عن الشين، لا الاكتفاء بكلّ لفظٍ عن الآخر).
أقول: وفيه ما لا يخفى، إذ أنّ مقصوده استفادة أمر كلّي من ذلك، لوضوح أنّ العرف لا يفهم من هذه الجملة خصوصيّة في الشين والسين، والشاهد على ذلك أنـّه لا يرى الإنسان فرقاً في أنـّه لو لم يقدر بلال تبديل الشين بشيء آخر لما كان حكمه كذلك، ومن الواضح عند العرف أنـّه يستفيد من أمثال هذه العبادات بيان إمضاء ما هو المقدور، لا بيان الخصوصيّة في هذه الكلمة.