97/08/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الارتباطي عند الشكّ في ما عدا الاجزاء
وهذا غاية ما قرّر في وجه وجوب الاحتياط، حيث أجاب عنه سيّدنا الاُستاذ بجوابٍ جيّدٍ.
أقول: لكنّه مندفع بوقوع الخلط في المقدّمة الثانية، فإنّ التحقيق في باب الكلّي الطبيعي أنـّه موجودٌ في الخارج بنفس ذاته، ولكن بنعت الكثرة لا التباين؛ لأنّ الطبيعي عبارة عن نفس الماهيّة، وهي موجودة في الخارج بتبع الوجود في الخارج، حيث أنّ الماهيّة بحسب ذاتها لا تكون واحدة ولا كثيرة، ولا كليّة ولا جزئيّة، بل تكون هذه الأوصاف بلحاظ وجودها الخارجي، فتكون مع الواحد واحدة ومع الكثير كثيرة، فيكون الطبيعي موجوداً مع كلّ فردٍ بتمام ذاته، ويكون متكثّراً بتكثّر الأفراد، فزيدٌ إنسان وعمرو إنسانٌ آخر وبكرٌ إنسانٌ ثالث لا تدلّ على أنـّها متباينات من حيث الإنسانيّة، إذ الحقيقة الإنسانيّة تتكثّر بتكثّر الأفراد، كما ولا تدلّ على أنـّها متباينة كما التزم به القائل في المقدّمة الثانية، ولا أنّها واحدة بالوحدة العدديّة، كما تخيّله الرجل الهمداني، وعليه فالطبيعي في الخارج موجودٌ بنفس ذاته ، مع كلّ فردٍ ، والكثرة والوحدة في الخارج والعقل خارجان عن ذاته .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الرقبة المؤمنة في الخارج ينطبق عليها عنوانان: أحدهما طبيعي الرقبة، وثانيهما طبيعي المؤمنة، فهي مصداق لمفهومين، كما أنّ الرقبهالكافرهمصداقلمفهومين،طبيعيالرقبهوطبيعيالكافرة،فهما في مصداقيّتهما للرقبة لا اقتران بينهما، فالرقبة المؤمنة مصداق الرقبة، وكذا الكافرة أيضاً مصداقها، وليستا متباينتين مع كونهما رقبتين، وإنّما افتراقهما من جهات اُخرى من المصداقيّهللمؤمنة والاُخرى للكافرة،وفيالتشخّصاتحيثيكونكلّمشخّص بشخص غير الآخر، وأمّا مصداقيّهما لطبيعي الرقبة فلا افتراق فيهما، فإذا أمر المولى بعتقٍ مردّد بين طبيعي الرقبة والرقبة المؤمنة، يكون معناه بين الطبيعي مع قيد زائد فيكون طبيعي الرقبة موضوعاً للأمر قطعاً، والأمر داعياً إليه، غايته أنـّه إذا كان المأمور به بحسب الواقع هو الرقبة المؤمنة، لا ينطبق على الرقبة الكافرة، نظير الأمر في الأقلّ والأكثر، فتجري البراءة فيما لم يتمّ فيه الحجّة كما لا يخفى.
وبالجملة: ممّا ذكرنا يظهر الحال في المركّبات التحليليّة مطلقاً، سواء كانت بسائط خارجيّة كالبياض والسواد والمنحلّين إلى اللّون المفرّق لنور البصر والقابض له، أو لا كالإنسان المنحلّ عقلا ً إلى الحيوان الناطق، فإنّهما لم يكونا من الأجزاء الخارجيّة للمحدود، بل هما من أجزاء الحَدّ، وإن كان مأخذهما المادّة والصورة بوجهٍ على ما هو المقرّر في مواضعه .
وقريب منهما بعض الأصناف والأشخاص المنحلّين في العقل إلى الماهيّة والعوارض المصنّفة والماهيّة والشخصيّة، وسواء توقّف اعتبار الخصوصيّة الزائدة المشكوك فيها على مؤونة زائدة ثبوتاً وإثباتاً كبعض الألوان والروائح والطعوم التي لم يوضع بإزائها لفظ خاص، بل تعرف بإضافتها إلى أمر خارج كاللّون الفستقي والطرنجي، ورائحة المِسك والجُلاب، أو لا كالبياض والسواد والإنسان، ففي جميعها تجري البراءة عن الخصوصيّة الزائدة إلى آخره ما قرّره في الجواب، ونحن نوافقه .
مضافاً إلى أنـّه لو سلّمنا كون الدوران بين المطلق والمقيّد والجنس والنوع عند العرف نحو الدوران بين المتباينين، بما قد ذكروه بأنّهم يفهمون بحسب ارتكازهم المباينة بين الحيوان والإنسان، فلو علم بوجوب إطعامٍ مردّدٍ بين الإنسان أو الحيوان، قالوا لابدّ من إطعام الإنسان، لأنّ نسبة حديث الرفع إلى كلّ منهما على حدٍّ سواء، فتعارض وتسقط أصل البراءة في كلّ منهما بالمعارضة، فيبقى العلم الإجمالي، فلابدّ من الاحتياط بإطعام الإنسان لأنـّه جمع بين الأمرين.
لكن نقول: إنّ الاحتياط حينئذٍ ليس بإطعام الإنسان، بل الإطعام لكلّ من الإنسان والحيوان قضيّة للتباين، كما يقال كذلك في جميع موارد المتباينين، فالجمع بين قولهم إنّ الدوران هو التباين، وبين القول بالاحتياط في الإتيان بالمقيّد والإنسان لا يخلو عن تهافت، والعجب من بعض الأعاظم ـ كالمحقّق النائيني ـ حيث جمع بينهما في المقام، راجع تقريراته[1] .
أقول: إذا بلغ الكلام هنا لا بأس بالإشارة إلى قسمٍ رابع عند المحقّق النائيني والعراقي في جعلهما من موارد المتبانيين، لأجل كون الأمر دائراً فيه بين التعيين والتخيير، وهما قد أخرجاه عن بحث الأقلّ والأكثر ببيان واضح مذكور في كلام المحقّقالأوّل على_'feحسب مانقله صاحب «مصباح الاُصول»[2] عناُستاذهالنائيني قدسسره.
وقال رحمهالله: (إنّ الجنس لا محصّل له في الخارج إلاّ في ضمن الفصل، فلا يعقل تعلّق التكليف به إلاّ مع أخذه متميّزاً بفصل، فيدور أمر الجنس المتعلّق للتكليف بين كونه متميّزاً بفصل معيّن، أو بفصل مّا من فصوله، وعليه فيكون المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير لا من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، لأنـّه لا معنى للقول بأنّ تعلّق التكليف بالجنس متيقّن، إنّما الشكّ في تقيّده بفصلٍ، بل نقول تقيّده بالفصل متيقّن، إنّما الشكّ في الترديد في تقييده بفصلٍ معيّن أو فصل من فصوله، لما ذكرناه من عدم معقوليّة كون الجنس متعلّقاً للتكليف إلاّ مع أخذه متميّزاً بفصل، فيدور الأمر بين التخيير والتعيين والعقل يحكم بالتعيين، فلا مجال للرجوع إلى البراءة عن كلفة التعيين).
أقول: ظهر ممّا حقّقناه تبعاً لاُستاذنا المحقّق الخميني قدسسره عدم تماميّة كلامهما، لما قد عرفت من إمكان التحليل في الوجوب، كما عليه الشيخ رحمهالله وجعل الجنس بنفسه متيقّناً والقيد الزائد وهو الفصل المقدّم مشكوكاً، ليجري فيه البراءة، وينحلّ به العلم الإجمالي، فلا يمكن إثبات وجوب الاحتياط .
مضافاً إلى ما عرفت أنـّه لو سُلّم ما ذكراه، فلازمه الإتيان بكلا فرديه تحصيلاً للعلم الإجمالي، لا الفرد الجامع لكليهما كما حاولا تصوير ذلك .
وحيث وصل عنان الكلام إلى هذا البحث، لا بأس بذكر أقسامه وملاحظة أحكام كلّ واحدٍ منها على حسب مختارهما، وقد نوافقهما في موارد، وقد نختلف معهما في بعض الموارد مع ذكر ما هو الموجب للاختلاف لكثرة الفائدة في البحث عنها في استنباط الأحكام الشرعيّة، فنقول ومن الله الاستعانة:
***