97/08/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن جريان الاستصحاب في الجزء من الأقلّ والأكثر الارتباطي
أقول: ولكن يرد على كلام الاُستاذ وتلميذه: بأنـّا إذا حقّقنا في المسألة السابقة والتزمنا بأنّ الأقلّ واجب قطعاً بوجوب تفصيلي، انحصر الشكّ في الجزء المشكوك والأكثر، فالأصل يكون جارياً في الأكثر فقط دون الأقلّ، فلا معارضة هنا لذلك الأصل، فأصالة عدم وجوب الأكثر جارٍ من دون وجود حاجة إلى أصل عدم لحاظ الأكثر، حتّى يوجب المثبتين بواسطتين كما في كلام الاُستاذ، ولا أصالة عدم الجعل حتّى يوجب المثبتيّة بواسطة واحدة؛ لأنّ المجعول ـ وهو الوجوب ـ متأخّرٌ عن اللّحاظ بمرتبتين، وعن الجعل بمرتبة واحدة؛ لأنّ جريان أصالة عدم المجعول وهو الوجوب يثبت الحكم من دون لزوم المثبتيّة، ومن دون معارضة مع أصالة عدم وجوب الأقلّ، لما عرفت من وجوبه قطعاً.
نعم، يصحّ هذا على مسلكهم، وقد ظهر لك بطلانه، وأنّ هذا الأصل العدمي يعدّ أصلاً عدميّاً أزليّاً عند من يجوّز جريانه في الأعدام الأزليّة، كما سيأتي تفصيله في باب الاستصحاب، وهذا الأصل العدمي كان بعدم محمولي لا نعتي حتّى يقال بأنـّه ليس بمسبوق بالعدم اليقيني، لأنـّه لم يكن في زمان قد جُعل أمر المركّب ولم يكن معه الأكثر حتّى يستصحب وجوده إلى الآن، بل العدم هنا عدم محمولي، وركنيه من اليقين السابق والشكّ اللاّحق تامّان فيه، سواء كان المراد من هذا العدم هو عدم اللّحاظ، أو عدم الجعل، أو عدم الوجوب الذي كان في ما قبل الوقت المضروب، أو عدم الوجوب الواقع فيما قبل البلوغ؛ لأنّ تمام هذه الأعدام بأزليّتها تكون على نحو العدم المحمولي، أي بمفاد ليس التامّة دون النعتي، وعليه فمفاد ليس الناقصة تكون جارية بلا إشكال .
وأمّا دعواه: عدم كون عدم اللّحاظ وعدم الجعل من الاستصحاب، لعدم كونه حكماً شرعيّاً، ولا أثراً لموضوع ذي حكم.
فإنّه يرد عليها أوّلاً: بأنّا لا نحتاج في إثبات الحكم إلى مثل هذين الأصلين؛ لأنّ أصل عدم الوجوب وعدم الجزئيّة للأكثر، أو عدم وجوب الجزء المشكوك بنفسه، يكفي في إثبات المقصود، فالأصلان لو جريا كانا مؤيّدين لذلك الأصل .
وثانياً: بإمكان الجواب بما قاله المحقّق العراقي بأنّ عدم الجعل للوجوب ـ واقعيّاً كان أو ظاهريّاً ـ مستتبعٌ لعدم الوجوب كذلك، ومثله غير مرتبط بالاُصول المثبتة،لأنّ عدمالوجوبالظاهري يعدّ منلوازمعدمالجعلالذي هو الاستصحاب، لا من لوازم المستصحَب واقعاً، فإذا كان الجعل أمره بيد الشارع رفعاً ووضعاً ويكتفى به في الأثر الشرعي في باب الاستصحاب، فلا قصور في جريانه[1] .
وهذا الجواب برغم أنـّه لا يخلو عن إشكال، لكنّه كافٍ في الجواب.
وثالثاً: إنّ الاستصحاب كما يمكن إثبات حجيّته بالأخبار، كذلك يصحّ إثبات حجيّته ببناء العقلاء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فعليه يجري الاستصحاب من دون حاجة إلى كون الأثر شرعيّاً، ولذلك نجري الاستصحاب في الأحكام الكلّية إذا علم بعدمها في الشرائع السابقة، وشككنا بثبوتها في شريعتنا، وتفصيله موكولٌ إلى محلّه .
وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا والتزمنا به عدم اختصاص الدليل في الأقلّ والأكثر الارتباطي بالبراءة فقط، بل يجري فيه استصحاب البراءة أيضاً كما عليه المحقّق العراقي رحمهالله.
هذا تمام الكلام في الأقلّ والأكثر الارتباطي، إذا كان الشكّ في الأجزاء.
***