97/07/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: حكم جريان البراءة في أجزاء الواجبات التعبّديّة المشكوكة وعدمه
أقول: ولا يخفى ما في كلامه من الإشكال :
أوّلاً: لا يخلو حال قصد القُربة:
تارةً: يراد منها قصد امتثال الأمر، فمن الواضح أنّ قصد الأمر ليس بواجب في التعبّديّات، إذ يكفي في تحقّق العبادة كون العمل بنفسه محبوباً ذاتيّاً، وكان داعيه إلى الإتيان به أمر المولى، وإرادة المولى ولو لم يكن حين العمل قاصداً ومتوجّهاً للأمر حتّى يقصده.
واُخرى: يراد منها هو هذا المعنى الذي ذكرناه، فهو ليس من الغرض المترتّب على الأمر، ولا داخلاً في الأجزاء المعلومة المأمور بها، بل هو واجبٌ آخر يفهم من دليل آخر غير الأمر أو منه على ما قد قرّر في محلّه .
وثانياً: قد عرفت في المقدّمات السابقة أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب، ليس إلاّ الأمر المتعلّق بالأجزاء، وليست الأجزاء إلاّ عين المركّب، فليس الأمر المتعلّق أمراً غيريّاً مقدّميّاً، بل ليس الأمر المتعلّق بالمركّب الأقلّ إلاّ كالأمر المتعلّق بالمركّب الأكثر، فكلّ ما أتى بما ثبت تعلّق الأمر به، فقد قامت عليه الحجّة، فلابدّ له من الاحتياط، وكلّ ما لم يثبت له ذلك، فلا داعي له للإتيان، ولا يكون تاركه آثماً وعاصياً، فالأمر بالأقلّ عند القائل بالبراءة، هو كالأمر بالأكثر عند القائل بالاشتغال، ولا يفترقان بينهما إلاّ في أنّ الأوّل لا يرى نفسه مكلّفاً بإتيان الجزء المشكوك بخلاف الثاني حيث يرى نفسه مكلّفاً بذلك، وهذا لا يصير فارقاً فيما هو مشتركان فيه، وهو الإتيان بالأجزاء المعلومة بداعويّة الأمر بالمركّب.
وثالثاً: أنـّه لو فرضنا صحّة الوجوب الغيري للأقلّ، فيمكن الآتي به قد قصد التقرّب ولو رجاءً، لاحتمال كونه واجباً نفسيّاً.
نعم، ما لا يمكن له هو الجزم بالنيّة، وهو غير معتبرٍ في العبادات، ولذا قلنا بصحّة عمل تارك الطريقين ـ من الاجتهاد والتقليد ـ إذا كان محتاطاً، مع أنـّه لو اعتبرنا الجزم في النيّة فلا وجه للاحتياط، هذا فضلاً عن عدم إمكان الجزم في النيّة في الأكثر أيضاً، لأنـّه يحتمل أن لا يكون الواجب النفسي إلاّ الأقلّ، فالنيّة فيالواجب فيالواقع لا يُحصّل الجزم في النيّة بالنسبة إلى الجزء المشكوك،فبذلك يظهر أنـّه لايعتبر فيالعبادات إلاّ كونالعمل صادراً بتحريك أمر المولى،معمبادئ اُخر من الخوف والرجاء ونحوهما، لا لأغراضٍ اُخر من الرِّياء والسمعة وغيرها.
وعليه، فالإشكال مندفع من رأسه كما لا يخفى .
***
موضوع: رأي صاحب الفصول حول جريان البراءة في الأجزاء المشكوكة
الإشكال التاسع: وهو الذي ذكره المحقّق صاحب «الفصول» ـ على ما نقله صاحب «نهاية الأفكار»[1] ـ بتقريب أن يُقال:
إنّ التكليف بالزائد وإن كان مشكوكاً ولا يقتضي التنجّز ووجوب الإتيان، لكونه مجرىً للبراءة العقليّة لقبح العقاب بلا بيان، إلاّ أنّ هناك جهة اُخرى تقتضي لزوم الإتيان به، واستحقاق العقوبة على تركه على تقدير تعلّق التكليف به، وهي استتباع الاشتغال اليقيني بالتكليف بالأقلّ يحكم العقل للفراغ اليقيني عنه، لارتباطيّة التكليف، واحتمال دخل الجزء المشكوك في سقوط التكليف عن الأقلّ، والعقل يستقلّ بلزوم الإتيان بالأقلّ على نحوٍ يقطع بوقوعه على صفة الوجوب، وكونه مصداقاً للمأمور به، وهو لا يتحقّق إلاّ بإتيان الأكثر، فالاستحقاق لعقاب لو ترك كان للأقلّ بواسطة ترك الأكثر لا الأكثر المشكوك حتّى يقال بجريان قبح العقاب بلا بيان، انتهى كلامه بتقريرٍ منّا.
أقول: بما أجبنا به عن الإشكال الثامن يمكن الإجابة عن هذا الإشكال، لأنّ الارتباطيّة ليست إلاّ انضمام الأجزاء بعضها مع بعض في المركّب الذي تعلّق به الأمر، فإذا قام الدليل على أنّ ما ثبت لك الأجزاء المنضمّة ليست إلاّ الأقلّ، وصار الجزء المشكوك ممّا لم يقم عليه الدليل، فلا إشكال إمّا نقطع بأنّ الامتثال للأمر المقطوع، فهو يوجب القطع بالفراغ عمّا هو الواجب عليه، ممّا يعني أنّ العقوبة للأقل بواسطة الأكثر الذي نقطع بعدم العقوبة في تركه تصبح غير معقول بعد الإتيان بالأقلّ المسلّم تكليفه، فالفراغ اليقيني له يحصل قطعاً بامتثال أمره وسقوطه، ولو كان في الواقع الأكثر واجباً، لعدم ثبوت الشغل اليقيني بالنسبة إليه حتّى بالنسبة إلى الأقلّ كما لا يخفى.
هذا كلّه تمام الكلام في البراءة العقليّة في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.
***