97/07/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة الشيخ الأنصاري بالاحتياط في الجزء المشكوك
أقول: أورد اُستاذنا السيّد الخوئي رحمهالله على جوابه بأربع إشكالات لا يخلو عن مسامحة في تحصيل مقصود الشيخ قدسسره :
أوّلاً: بأنّ عدم الإمكان لتحصيل اللّطف والغرض لو تمّ، فإنّما يتمّ في التعبّديّات لا في التوصّليّات، لعدم توقّف الثاني في حصول الغرض على قصد الوجه، فيلزم القول بوجوب الاحتياط فيها دون التعبّديّات، مع أنـّه قدسسره لم يلتزم به.
ولا يخفى ما في كلامه؛ لأنّ مقصود الشيخ بيان أنّ الغرض والمصلحة ليس تحصيله مورداً للطلب، وإلاّ كان اللاّزم هو القول بعدم إمكان الاحتياط في التعبّديّات لأجل ما ذكره، مع أنّا نشاهد ذهاب جماعة كبيرة إلى إمكان الاحتياط في التعبّديّات وأفتوا به، فهو دليلٌ على أنّ المطلوب ليس إلاّ تحصيل المؤمّن لا الغرض والمصلحة.
وبذلك ظهر عدم تماميّة إشكاله الثاني، وهو أنّ قصد الوجه لو اعتبر كان مختصّاً بما إذا أمكن الاحتياط فيه، دون ما لا يمكن كما في قصد الوجه فيتحصيلالأكثر، لأنّ القول بأنّ قصد الوجه إنّما يجبُ فيما إذا أمكن فيه الاحتياط، يرجع معناه إلى عدم إمكان تحصيل موردٍ يجب فيه قصد الوجه إذا احتمل فيه دخالة جزء أو شرط فيه، مع أنـّه من المعلوم جريان إمكان قصد الوجه في التعبّديّات، وليس إلاّ من جهة أنـّه لا يجب فيه تحصيل الغرض، بل يكفي تحصيل المؤمن.
أقول: فبما ذكرنا ظهر فساد :
1 ـ إشكاله الثالث، وهو أنـّه لا دليل على وجوب قصد الوجه.
2 ـ وكذا إشكاله الرابع بأنـّه لو وجب لوجب في الواجبات الاستقلاليّة لا في الواجبات الضمنيّة أي الأجزاء.
لما قد عرفت بأنّ الشيخ رحمهالله لم يقصد إثبات وجوب قصد الوجه حتّى يقال بذلك، بل مقصوده بيان أنّ الواجب في باب الأوامر والنواهي هو الإطاعة بما يحصل المؤمّن من العقاب فيما كانت الحجّة تامّة فيه كالأقلّ، دون الزائد الذي لم يتمّ الحجّة فيه، فلا عقاب في تركه لقاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولا يكون العلم الإجمالي في حقّه منجّزاً، لعدم العلم بوجوبه، وإن كان يحتمل أن لا يحصل الغرض بتركه، لكنّا لسنا مأمورين بتحصيله حتّى يوجب توجّه الأمر الوجوبي إليه وجوب الاحتياط فيه، كما لا يخفى .
أقول: ولا يخفى عليك أنّ استدلال المحقّق الخوئي قدسسره في الإشكال على الشيخ قدسسرهمأخوذٌ من كلام اُستاذه المحقّق النائيني حيث فسّر تعبير الشيخ بالعنوان والغرض تفسيراً آخر غير مراد للشيخ رحمهالله على حسب ما فهمنا، لأنـّه جعل مراده من العنوان هو السبب التوليدي الذي يكون الفعل الصادر عن الفاعل تمام العلّة لتولّده أو الجزء الأخير منها، فيصحّ عدم جريانالبراءة فيها عند الشكّ فيحصوله، سواءً تعلّق التكليف بالمسبّب ابتداءً، أو تعلّق بالسبب؛ لأنّ التكليف بالسبب إنّما هو من حيث تولّد السبب منه وتعنونه بعنوان لا بما هو هو، والمراد من الغرض ليس هو الملاك والمصلحة التي تُبنى عليها الأحكام، بل المراد منه هنا هو قصد امتثال الأمر والتعبّد به، وهو الذي لا يمكن أخذه في متعلّق الأمر، ولذلك أوردا على الشيخ رحمهالله بعدم تماميّة جوابيه وأشكلا عليه بما قد عرفت من الوجوه الأربعة بما لا مزيد عليه، وأوضحنا آنفاً عدم تطابقه مع مبنى الشيخ ومرامه، وأنـّه رحمهاللهقصد على ما فهمه سيّدنا الاُستاذ المحقّق الخميني من كلامه وأوضحه في كتابه المسمّى بـ «أنوار الهداية» وتقريراته المسمّى بـ «تهذيب الاُصول» وعرفت أنّ المراد بالغرض هنا هو المصلحة والملاك، ولكن لا يجب علينا تحصيله، وفي مورد وجوب تحصيله لابدّ للمولى من إقامة الدليل على وجوبه، ولو بجعل الاحتياط، وحيث لم يبيّن نفهم أنـّه ليس بمأمور به في ذلك، بل يكفي في الامتثال إتيان ما فات عليه الحجّة .
نعم، لو فرض وجود مورد علم العبد لزوم تحصيل الغرض والمصلحة فيه، لكان ذلك لازماً، سواء ورد من المولى في حقّ ذلك المورد أمر أو لم يرد، لأجل وجود مانع في إيصال الأمر إليه، فالكلام إنّما يقع في العلم بوجوب تحصيله، فعند الشكّ فيه وعدم وصول شيء إلى العبد لإفهام ذلك، فليس عليه حينئذٍ إلاّ الإتيان بمقدار ما علم، ولو لم يعلم أنـّه محصّل للغرض، بل ولو لم يحصّله، ولكن يكون التكليف المتوجّه إليه ساقطاً كما لا يخفى.
***