97/07/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة الشيخ الأنصاري بالاحتياط في الجزء المشكوك
هذا، فضلاً عن أنّ البحث في ذلك بحثٌ كلامي قد عنون فيه، من جهة كونأفعال الله معلّلة بالأغراض، أي يمتنع على الله تعالى الإرادة الجزافيّة،للزومالعبث في فعله، والظلم على العباد في تكليفه، فبما أنّ الأوامر والنواهي تعدّان من الأفعال الاختياريّة للّه تعالى، فلابدّ أن تكون معلّلة بالأغراض في قِبال الأشاعرة المُنكرين لذلك، فحينئذٍ دفع العبثيّة كما يحصل بوجود المصلحة في نفس متعلّق البعث والزجر، كذلك يحصل بكون المصلحة في نفس البعث والزجر، أو تكون تلك العناوين بنفسها مطلوبات بالذات من قبيل نفس الأغراض، أو تكون لأغراضٍ اُخر غير المصلحة في المتعلّق، فإثبات أحد هذه الاُمور لابدّ من قيام دليل آخر غير كون أفعال الله معلّلة بالأغراض كما لا يخفى .
قال المحقّق الخميني: في معرض تأييده لكلام الشيخ في الجواب الأوّل بما لا يخلو عن خفاء، حيث قال:
(وأمّا ثانياً: إنّ تعلّق الأوامر بتلك المصالح لانفس الأمريّة محالٌ عليه تعالى للزوم اللغويّة والعبث عليه، فإنّ تعلّق الأوامر بالمتعلّقات إنّما يكون للبعث والحثّ والإغراء ونحوها، فلابدّ وأن تكون تلك الأوامر بما يمكن أن تكون باعثة نحوها، ولا يعقل أن تكون الأوامر النفس الأمريّة الغير الواصلة إلى المكلّفين متعلّقة بعناوين واقعيّة مجهولة لديهم باعثة نحوها، ففعلها بها لا يكون إلاّ لغواً ممتنعاً عليه تعالى)، انتهى محلّ الحاجة[1] .
وجه الخفاء: أنـّه لو لم تكن الأوامر متعلّقة بتلك العناوين ظاهراً بالأمر الإرشادي، وكان الأمر منحصراً بذلك الأمر الواقعي، لكان ما ذكره صحيحاً، إلاّ أنّ المفروض أنّ ما هو المأمور في الظاهر هو تلك العناوين الواصلة إلى العباد مثل الصلاة والزكاة، غاية الأمر أنّ الأمر إليها إرشادٌ إلى الأمر الحقيقي المتعلّق بتلك المصالح غير الواصلة إليهم، والمجهولة لديهم، ولعلّ مقصوده قدسسره منه هو لغويّة الأمر بالنظر إلى وجود هذا الأمر الملقى لتحصيل الغرض، إذ لا أثر لذلك الأمر الواقعي، لأنّ الباعث والداعي له ليس إلاّ هذا الأمر الإرشادي، فوجود الأمر الواقعي وعدمه بالنسبة إلى العباد سيّان، وهذا عملٌ عَبَثٌ وهو لا يصدر عن الله تعالى، لأنـّه منزّهٌ عن ذلك، وتعالى عنه علوّاً كبيراً، وهو كلامٌ متينٌ جدّاً.
ثمّ أجاب الشيخ عن الإشكال ثانياً: (بأنّ نفس الفعل من حيث هو ليس لطفاً، ولذا لو أتى به لا على وجه الامتثال لم يصحّ، ولم يترتّب عليه لطف ولا أثر آخر من آثار العبادة الصحيحة، بل اللّطف إنّما هو في الإتيان به على وجه الامتثال، وحينئذٍ فيحتمل أن يكون اللّطف منحصراً في امتثاله التفصيلي مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه، فإنّ من صرّح من العدليّة بكون العبادات السمعيّة إنّما وجبت لكونها ألطافاً في الواجبات العقليّة، قد صرّح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه، ووجوب اقترانه به، وهذا متعذّرٌ فيما نحن فيه، لأنّ الآتي بالأكثر لا يعلم أنـّه الواجب أو الأقلّ المتحقّق في ضمنه، ولذا صرّح بعضهم كالعلاّمة ويظهر من آخر منهم وجوب تميّز الأجزاء الواجبة من المستحبّات ليوقع كلاًّ على وجهه.
وبالجملة: فحصول اللّطف بالفعل المأتي به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم، بل ظاهرهم عدمه، فلم يبق عليه إلاّ التخلّص من تبعة مخالفة الأمر الموجّه إليه، فإنّ هذا واجبٌ عقليّ في مقام الإطاعة والمعصية، ولا دخل له بمسألة اللّطف، بل هو جارٍ على فرض عدم اللّطف وعدم المصلحة في المأمور به رأساً، وهذا التخلّص يحصل بالإتيان بما يعلم أنّ مع تركه يستحقّ العقاب والمؤاخذة، وأمّا الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان)، انتهى محلّ الحاجة[2] .