97/02/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة المحقّق النائيني حول عدم جريان البراءة
أقول: لا يخفى ما في كلامه لأنـّه مركّبٌ من المقدّمتين وهما الكبرى المسلّمة والصغرى الممنوعة.
فأمّا الأُولى: استدلاله رحمهالله بأنّ التكليف القطعي يقتضي الفراغ القطعي، ولا يكفي الامتثال الاحتمالي، لأنـّه كان كتكليف الاحتمالي، إذ العقل يستقلّ بالاستحقاق للتارك في التكليف القطعي، لأنّ البيان قد تمّ فيه، فيصحّ العقوبة وليس عقوبة بلا بيان، أمرٌ متينٌ بلا إشكال .
إلاّ أنّ الإشكال في الصغرى؛ لأنّ انطباق الكبرى على المورد بالنسبة إلى الزائد المشكوك، وبالنظر إلى الأقلّ بالرغم من أنـّه ثبت لا نقاش فيه، ولابدّ فيه من الامتثال القطعي، إمّا بالإتيان به مع كونه في الواقع هو هو، أو حصول الامتثال من جهة كونه معذوراً في ترك التكليف للطرف الآخر لو كان الواقع هو الأكثر، فالتكليف القطعي المستلزم للامتثال القطعي يكون للأقلّ ويؤتى به، وبالنسبة إلى الزائد غير قطعي بل احتمالي، فلا دليل لنا على وجوب إتيانه عقلاً ولا شرعاً، فوجوب الأقلّ قطعي على كلّ حال، وليس وجوبه من باب دوران أمره بين وجوبه ووجوب غيره، بل أمره دائرٌ بين كونه واجباً قطعاً وبين كون الزائد واجباً احتمالاً، فالواجب في الحقيقة هو ذات الأقلّ، وهو لا ينافي مع وجوب شيء آخر معه أو عدم وجوبه، إذ الأكثر ليس إلاّ الأقلّ مع زيادة، فلا يتفاوت حال الأقلّ بالنسبة إلى أصل التكليف به بين ما ضمّت إليه الزيادة أو لا، كما لا يخفى، فالقطع التفصيلي بالتكليف حاصل بالنسبة إلى الأقلّ قطعاً، كما أنّ الشكّ التفصيلي الثابت للزائد يكون بمعنى أنـّه هل له دخل في المركّب بمعنى تعلّقه به أم لا؟ بل قد تعلّق بالأقلّ فقط بلا ضمّ الأكثر، فالقاعدة المعروفة من أنّ الشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني يصحّ في حقّ الأقلّ دون الأكثر، فالحجّة بالنسبة إلى الأقلّ تامّة دون الأكثر، فلا وجه للحكم بوجوب الاحتياط في حقّ الأكثر، وهو المطلوب.
وأمّا ما ذكره بأنّ الأقلّ المردّد بين اللاّبشرط وبشرط شيء هو عين العلم الإجمالي، فيلزم أن يكون العلم الإجمالي موجباً لانحلال نفسه.
فليس على ما ينبغي، لأنّ العلم الإجمالي هنا ليس إلاّ بالنظر البدوي، لأنـّه في الحقيقة ليس له إلاّ علم تفصيلي بوجوب الأقلّ والشكّ البدوي بوجوب الأكثر، فالانحلال هنا صوري ليس بواقعي، نظير الانحلال الموجود في الأقلّ والأكثر الاستقلالي كما لا يخفى، وليس كالانحلال الحقيقي في أطراف العلم الإجمالي إذا قامت البيّنة على تعيين متعلّق العلم في طرفٍ معيّن كالنجاسة في أحد الإنائين المشتبهين إذا قامت البيّنة على كون تلك النجاسة في إناءٍ خاصّ، أو حصل له العلم بذلك، فيصير الانحلال هنا انحلالاً حقيقيّاً، لأنّ العلم الإجمالي كان موجوداً في الحقيقة أوّلاً ثمّ انحلّ، هذا بخلاف المقام حيث لا يكون الأمر كذلك .
التقريب الثاني: قال قدسسره: (وبتقريب آخر: الشكّ في تعلّق التكليف بالخصوصيّة الزائدهالمشكوكة من الجزء أو الشرط،وإن كان عقلاً لا يقتضي التنجيز،واستحقاق العقاب على مخالفته من حيث هو، للجهل بتعلّق التكليف به، فالعقاب على ترك الخصوصيّة يكون بلا بيان، إلاّ أنّ هناك جهة اُخرى يقتضي التنجيز،واستحقاق العقاب على ترك الخصوصيّة، على تقدير تعلّق التكليف بها وهي احتمال الارتباطيّة وقيديّة الزائد للأقلّ، فإنّ هذا الاحتمال بضميمة العلم الإجمالي يقتضي التنجيز واستحقاق العقاب عقلاً، فإنّه لا رافع لهذا الاحتمال، وليس من وظيفة العقل وضع القيديّة أو رفعها، بل ذلك من وظيفة الشارع، ولا حكم للعقل من هذه الجهة، فيبقى حكمه بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم والقطع بامتثاله على حاله، فلابدّ من ضمّ الخصوصيّة الزائدة.
ثمّ استشكل على نفسه: بأنّ الشكّ في القيديّة والارتباطيّة مسبّبٌ من الشكّ في تعلّق التكليف بالزائدة، فإذا حكم العقل فيه بقبح العقاب بلا بيان، فلا يبقى بحال للإشكال في القيديّة والارتباطيّة، لأنّ الشكّ في السبب إذا ارتفع رافع للشكّ المسبّبي لجريان البراءة في الخصوصيّة الزائدة، المساوق لجريان البراءة العقليّة في القيديّة والارتباطيّة.
وأجاب عنه: بأنّ الشكّ في القيديّة ليس مسبّباً عن الشكّ في تعلّق التكليف للخصوصيّة الزائدة، بل مسبّبٌ عن تعلّق التكليف بالمجموع؛ لأنّ الارتباطيّة ليست إلاّ هذا، يعني ملاحظة اُمور متباينة يجمعها ملاك واحد، فالارتباطيّة إنّما تنتزع من وحدة الملاك، والأمر المتعلّق بالمجموع)انتهى كلامه مع ما لخّصناه[1] .
الموضوع: مناقشة تقريب المحقّق النائيني
أقول: يرد عليه :
أوّلاً: بأنـّه بعد القبول بعدم تعلّق التكليف بالخصوصيّة الزائدة بواسطة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، لا يبقى حينئذٍ علمٌ إجمالي يتعلّق التكليف بأحد الأمرين على نحو الترديد، بل يصير العلم بالنسبة إلى الأقلّ تفصيليّاً، وبالنسبة إلى الأكثر شكّاً بدويّاً، ومن الواضح أنّ القيديّة والارتباطيّة بأنفسهما لا يقتضيان التنجّز إلاّ منضمّاً إلى العلم الإجمالي كما اعترف به الخصم في ضمن كلامه، فإذا فرضنا فقدان العلم الإجمالي فلا تنجيز عقلاً حتّى يحكم بالاشتغال.
وثانياً: سلّمنا كون القيديّة والارتباطيّة منتزعة عن تعلّق التكليف بالمجموع لا بخصوص الأكثر،ولكن قد عرفت فيإحدى المقدّماتالخمسهالسابقة أنّ التكليف المتعلّق بالمركّب والمجموع ليس إلاّ عين التكليف بالأجزاء، غاية الأمر يدور الأمر بين تعلّقه بالمركّب الأقلّ أو بالمركّب الأكثر، فإذا فرضنا جريان البراءة العقليّة لتعلّقه بالأكثر، وكان تعلّقه بالأقلّ قطعيّاً، فلا يبقى لتعلّقه بالأكثر حكماً تنجيزيّاً يحكم بالاشتغال، فالقيديّة مرتفعة بارتفاع التكليف عن تلك المجموع والمركّب لأنـّه منتزع عنه، فلا يعقل رفع التكليف عنه مع بقاء التكليف بالقيديّة والارتباطيّة، فالجمع بين هذين التعبيرين لا يخلو عن تهافت كما لا يخفى.