97/02/10
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: التوجيه الثالث لوجوب الاحتياط وأداء الأكثر
إذا عرفت ذلك فنقول: قد تقدّم أنّ التكليف بالأجزاء عين التكليف بالمركّب، وأنّ الأقلّ دائرٌ أمره بين كونه واجباً نفسيّاً أصليّاً، أي كونه تمام المركّب مستوجباً للعقوبة على تركه، أو نفسيّاً ضمنيّاً، ويكون المركّب هو الأكثر، والعقوبة على تركه لا على ترك الأقلّ، وحينئذٍ فالأقلّ يحتمل العقوبة وعدمها، وفي مثله يحكم العقل بالاحتياط، لأنـّه لو صادف كونه تمام المركّب لا يكون العقاب عليه بلا بيان، فإنّ ما لزم على المولى هو بيان التكليف الإلزامي، والمفروض أنـّه بيّنه وليس عليه بيان كون الواجب ممّا في تركه العقوبة، كما أنـّه ليس له بيان أنّ الأقلّ تمام الموضوع للأمر كما لا يخفى.
ولعمر القارئ أنّ انحلال العلم في المقام أوضح من أن يخفى ؛ لأنّ كون الأقلّ واجباً تفصيليّاً ممّا لا سُترة فيه، فكيف يقع طرفاً للعلم الإجمالي؟ وما أفاده بعض أعاظم العصر من أنّ تفصيله عين إجماله أشبه شيء بالشعر من البرهان)، انتهى كلامه[1] .
أقول: ولا يخفى عليك أنّ الأولى في الجواب ثانياً أن يقال:
إنّ ترك الأقلّ يؤدّي إلى علم المكلّف باستحقاقه العقوبة قطعاً إمّا لنفسه إن كان الوجوب النفسي متعلّقاً له، أو سبباً لترك الوجوب النفسي، وهو وجوب الأكثر، لو كان الواجب في الواقع هو الأكثر، فالاستحقاق للعقوبة يأتي من قبيل ترك الأقلّ قطعاً، ولا يجري فيه قبح العقاب بلا بيان، لأنـّه بالنسبة إليه تامّ حكماً وعقوبةً؛ يعني كأنّ المولى قد أخبر بذلك وقال لعبده لا تترك الأقلّ وإلاّ تُعاقَب عليه، هذا بخلافالأكثر حيث لم يكن البيان لحكمه ولا لعقوبته تامّاً،لكون جزئيّته مشكوكة، فلو تركه وصادف الواقع كان معذوراً.
وعليه، فما ذكره الاُستاذ رحمهالله بأنّ وظيفة المولى ليس إلاّ بيان الأحكام لا العقوبة، ليس على ما ينبغي، لأنّ بيان الأحكام الإلزاميّة لا يكون معناه إلاّ بيان استحقاق العقوبة في تركه لا فعليّة العقوبة؛ لأنّ الثاني أمره بيد المولى ربما يمكن أن يتفضّل ولم يعاقب، لكنّه يختلف عن مسألة الاستحقاق، حيث لا يمكن التفكيك بين بيان الحكم الإلزامي وحصول الاستحقاق في تركه، فمعنى بيان الحكم الإلزامي ليس إلاّ بيان ما يلزم من تركه الاستحقاق، ولو لم يعاقبه خارجاً، لكن لا يجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان لو أراد العقوبة، لأنـّه صحّ أن يقول بأنـّه قد بيّن العقوبة في تركه بواسطة بيان الحكم الإلزامي، والمفروض في المقام أنّ الأقلّ قد تمّ البيان فيه حتّى بالنسبة إلى العقوبة، إمّا بواسطة ترك نفسه، أو لاستلزام تركه لترك الواجب النفسي، فليس للعبد تركه قطعاً، هذا بخلاف الأكثر حيث لا يكون استحقاق العقوبة في تركه قطعيّاً، بل يكون محتملاً بالاحتمال البدوي، فمع جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، يُحكم بعدم وجوبه، وهو الفارق بينهما، وهذا هو الموجب لانحلال العلم الإجمالي إلى علمٍ تفصيلي وشكٍّ بدويّ.
***
الموضوع: نظريّة المحقّق النائيني حول عدم جريان البراءة
الإشكال الرابع: هو الذي ذكره المحقّق النائيني في فوائده بتقريبين:
التقريب الأوّل: (إنّه لا إشكال في أنّ العقل يستقلّ بعدم كفاية الامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي، ضرورة أنّ الامتثال الاحتمالي إنّما يقتضيه التكليف الاحتمالي، وأمّا التكليف القطعي فهو يقتضي الامتثال القطعي؛ لأنّ العلم باشتغال الذمّة يستدعي العلم بالفراغ عقلاً، ولا يكفي احتمال الفراغ، فإنّه يتنجّز التكليف بالعلم به ولو إجمالاً، ويتمّ البيان الذي يستقلّ العقل بتوقّف صحّة العقاب عليه، فلو صادف التكليف في الطرف الآخر الغير المأتي به، لا يكون العقاب على تركه بلا بيان، بل العقل يستقلّ في استحقاق التارك للامتثال القطعي للعقاب على تقدير مخالفة التكليف، ففي ما نحن فيه لا يجوز الاقتصار على الأقلّ عقلاً، لأنـّه يشكّ في الامتثال والخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين، ولا يحصل العلم بالامتثال إلاّ بعد ضمّ الخصوصيّة الزائدة المشكوكة، والعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ المردّد بين كونه لا بشرط أو بشرط شيء، هو عين العلم الإجمالي بالتكليف المردّد بين الأقلّ والأكثر، ومثل هذا العلم التفصيلي لا يعقل أن يوجب الانحلال، لأنـّه يلزم أن يكون العلم الإجمالي موجباً لانحلال نفسه)، انتهى محلّ الحاجة من كلامه[2] .