97/02/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: التوجيه الثالث لوجوب الاحتياط وأداء الأكثر
أقول: ويمكن دفعه :
أوّلاً: بأنّ الأقلّ المركّب كما أنّ وجوده عين وجود أجزائه كما عرفت، كذلك نقول بأنّ تركه يتحقّق بأحد الأنحاء الثلاثة:
إمّا بترك جميع الأجزاء بأن لا يأتي شيئاً منها.
واُخرى بترك الأجزاء المعلومة كونها جزءاً ولو بواحدٍ منها بأيّ جزءٍ كان.
وثالثة بترك الجزء المشكوك جزئيّته، مع كونه جزءاً في الواقع.
ولذلك يقال: بأنّ عدم المركّب المتعلّق بذي أجزاء عدم واحد؛ لأنّ نقيض الواحد واحد لا أعدام، فالعدم واحد، غاية الأمر محصّله يكون بأحدٍ من الثلاثة، ولكن فرق بين العدم الحاصل من ترك جميع الأجزاء، أو من بترك الأجزاء المعلومة ولو بجزء، وبين ترك الجزء المشكوك، لأنّ العدم المحصّل من أحد الأمرين الأوّلين ليس في تركه عذرٌ بل فيه عصيان يستحقّ تاركه العقوبة؛ لتماميّة الحجّة في حقّه، فلا تجري في حقّه قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وهذا يعني أنّ تركه المستند لأحد الأمرين المذكورين، ليس فيه العقوبة كما
يعاقب على ترك المأمور به.
هذا بخلاف الترك المستند إلى ترك الجزء المشكوك، فإنّ المأمور به فيه أيضاً ربما يترك، إلاّ أنـّه يكون تركاً مع العذر، لجريان قاعدة قبح العقاب فيه، لعدم تماميّة البيان والحجّة بالنسبة إليه، وهذا هو معنى انحلال العلم الإجمالي، حيث إنّ العقوبة تترتّب لترك نفس الأقلّ قطعاً بخلاف الأكثر حيث لا يمكن للمولى عقوبة عبده لتركه، لعدم تماميّة الحجّة والبيان في حقّه، وعليه فالعقل يحكم بلزوم الإتيان بالأقلّ على أيّ تقدير، وهذا هو معنى الانحلال.
وبعبارة أوفى: التارك للأقلّ يعلم تفصيلاً بأنـّه تاركٌ للواجب قطعاً؛ إمّا لأجل كون نفسه واجباً وتَرَكه فيستحقّ العقوبة عليه، أو بتركه أوجب ترك واجبٍ وهو المأمور به الواقعي وهو الأكثر، ففي تركه الأقلّ لا عذر له، فلابدّ له الإتيان به قطعاً، وأمّا الإتيان بالأكثر فلا يمكن إلزامه، لعدم تماميّة الحجّة عليه، ولذلك قلنا بجريان البراءة فيه.
وثانياً: قيل كما في «تهذيب الاُصول»: (بأنّ ما يلزم على العبد هو تحصيل المؤمّن القطعي من العقاب، الذي هو مستند البراءة العقليّة، ولا يتحقّق المؤمنّن القطعي إلاّ في موردٍ يكون العقاب قبيحاً علىالمولىالحكيم،لامتناع صدور القبيح منه، فحينئذٍ لو علم أو احتمل العقاب يجب عليه الإطاعة والاحتياط، وإن كان الاحتمال ضعيفاً، لأنّ تمام الموضوع للاحتياط هو احتمال العقاب لا غير، وعليه، فلو دار التكليف بين كونه ممّا يعاقب عليه أو لا، كما هو شأن الأقلّ في المقام يجب عليه الاحتياط بلا كلام.
فإن شئت قلت: إنّ ما يرجع إلى المولى إنّما هو بيان الأحكام لا بيان العقوبة على الأحكام، فلو حكم المولى بحرمة الخمر، واحتمل العبد أنّ المولى لا يعاقب عليه، فلا يمكن الاكتفاء به في مقام تحصيل المؤمّن عن العقاب، كما أنـّه إذا حرّم شيئاً وعلم العبد أنّ في ارتكابه عقاباً، ولكن لم يبيّن المولى كيفيّة العقوبة، فارتكبه العبد وقد كان المنهيّ عنه في نفس الأمر ممّا أعدّ المولى لمخالفته عقاباً شديداً، فلا يعدّ ذلك العقاب من المولى عقاباً بلا بيان؛ لأنّ ما هو وظيفته إنّما هو بيان الأحكام لا بيان ما يترتّب عليه من المثوبة والعقوبة.