97/02/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: رأي المحقّق الاصفهاني حول وجوب الجزء المشكوك
وثالثاً: قد عرفت أنّ مصبّ الأمر ليس هو الأقلّ بشرط لا تارةً، وبشرط شيء أُخرى، وإلاّ لزم رجوع الشكّ إلى أنّ الوجوب المتعلّق عليه هل فيه شرط الزيادة أم لا؟ مع أنـّه قد مرّ آنفاً في المقدّمات بأنّ متعلّق الأمر ليس إلاّ المركّب لا الأجزاء، فالترديد الحاصل للمكلّف هو أنـّه لا يعلم أنّ المركّب المأمور به هو الأقلّ المنحلّ إلى الأجزاء، أو أنّ المركّب هو الأكثر المنحلّ إلى الأجزاء، وقد عرفت أنّ الحجّة قائمة على المركّب المنحلّ إلى الأقلّ قطعاً، وأمّا بالنسبة إلى المركّب المشتمل على المشكوك فإنّ المكلّف لا يمتلك حجّة تامّة، كما أنّ تحصيلها ليس واجباً عليه، وهذا هو معنى البراءة كما لا يخفى.
***
الموضوع: الإشكال الثاني على جريان البراءة في الجزء المشكوك
الإشكال الثاني: قيل إنّ متعلّق التكليف في باب الأقلّ والأكثر يكون مردّداً بين المتباينين، فإنّ المركّب الملتئم من الأقلّ له صورة وحدانيّة مستقلّة غير صورة المركّب من الأكثر، فهما صورتان متبائنتان، ويكون التكليف مردّداً بين تعلّقه بهذا أو ذاك ممّا يقتضي وجوب الاحتياط.
وأمّا الجواب عنه: فإنّ الدقّة في الجواب عن الإشكال الأوّل يعيينا في الجواب عن هذا الإشكال، لما ذكرنا من أنـّه لو كان الدوران بينهما على نحو التباين ـ كما قرّره الخصم ـ لزم بما لا يلتزم به أحدٌ، وهو الاحتياط بتكرار العمل خارجاً لمرّتين لا الإتيان بالأكثر لمرّة واحدة، هذا أوّلاً .
وثانياً: إنّ متعلّق الأمر وإن كان هو المركّب من الأقلّ والأكثر، إلاّ أنـّه ثبت أنّ تعلّقه بالمركّب عين تعلّقه بالأجزاء، وليس أمراً ورائه حتّى يكون من قبيل المحصِّل والمحصَّل ليقال بتعدّد الصورة التركيبيّة حتّى يكون تحصيل تلك الصورة المسمّاة بالأقلّ غير تحصيل الصورة المسمّاة بالأكثر، المستلزم للاحتياط، بل العقل يرى تارةً وحدة تركيبيّة للأقل، واُخرى للأكثر، مع كون الأقلّ في كلا الموردين متيقّن الاعتبار بلا إشكال وقد قامت الحجّة عليه، وأمّا بالنسبة إلى المركّب المشتمل على الأكثر المشكوك لم يتمّ عليه الحجّة، فلا يجوز للمولى عقاب تاركه، لأنّ عقابه حينئذٍ عقاب بلا بيان، وهو المطلوب.
***
الموضوع: التوجيه الثالث لوجوب الاحتياط وأداء الأكثر
الإشكال الثالث: في أنّ وجوب الأقلّ دائرٌ بين كونه واجباً نفسيّاً أصليّاً بحيث يكون تركه موجباً للعقاب، وبين كونه واجباً نفسيّاً ضمنيّاً أو غيريّاً لا يعاقب صاحبه بتركه؛ لأنّ العقاب مترتّب على ترك الواجب الأصلي دون الضمني أو الغيري، فالقول بأنّ الأقلّ لازم الإتيان على أيّ حال ليس في محلّه، لأنّ أمره حينئذٍ دائرٌ بين الوجوب لو كان نفسه واجباً، أو الاستحباب لو كان داخلاً تحت الأكثر؛ لأنّ العقوبة لو ترتّبت لكانت مترتّبة على الأكثر دون الأقلّ الذي في ضمنه، لعدم كونه مأموراً به بالأمر الأصلي حتّى يستحقّ تركه لعقوبة، فإذا لم يحكم العقل بلزوم إتيانه على أيّ تقدير، فلا ينحلّ العلم الإجمالي فيه إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي، حتّى يستلزم البراءة، بل لابدّ من الخروج عن عهدته بإتيان الأكثر، وهذا هو معنى الاحتياط والاشتغال.