97/01/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الاستقلالي
أقول: إنّ الأمر هو كما ذكره المحقّق الخميني رحمهالله من أنـّه إن لوحظ هذه الوحدة بالنظر إلى الآمرين والجاعلين الذين يجعلون أوامرهم على المتعلّقات، حيث إنّ المتعلّق إذا لم يلاحظ فيه الوحدة لا يمكن تعلّق الإرادة بذلك؛ لأنّ الإرادة تابعة للمراد، فإذا كان هو الواحد فالإرادة والأمر يتبعانه وإلاّ فلا، ولكن إن لوحظ ذلك بحسب حال المكلّفين والمأمورين، ليس لهم طريق للإيصال بذلك إلاّ من طريق ملاحظة وحدة الأمر وكثرته، إذ من خلال وحدة الأمر يستظهر أنّ المتعلّق واحد، كما أنـّه من خلال تعدّد الأمر يفهم أنّ المتعلّق كثير؛ يعني إذا تعلّق أمره على ما هو كثيرٌ بالظاهر يفهم أنـّه لوحظ فيه الوحدة وتعلّق أمره به، ففي الحقيقة تكون وحدة الأمر تابعة لوحدة المتعلّق كما قاله قدسسره، إلاّ أنـّه بالنظر إلى المأمورين يصحّ أن يقال: إنّ وحدة الأمر كاشف عن وحدة المتعلّق، وهي التي توجب وحدهالمتعلّق في مقام الاستظهار والإثبات دون مقام الثبوت.
وكيف كان، فالمطلب واضح بأنّ وحدة الأمر تابعٌ لوحدة الغرض، الموجب لوحدة المتعلّق، فارتباط الأجزاء بعضها مع بعض بحسب الواقع ليس هو وحدة الأمر، بل وحدة الغرض الذي أوجب وحدة الإرادة والأمر، ولكن بحسب حال الظاهر في الخارج صار الأمر سبباً للارتباط بين الأجزاء، حيث إنّه يدعو صاحبه إلى ذلك كما لا يخفى، فلعلّ المحقّق العراقي قصد بكلامه الآنف الذكر هذا المعنى لا بحسب الواقع والثبوت، وإن كان ظاهر كلامه يفيد غير ما أوردناه.
الأمر الرابع: ويدور البحث فيه عن أنّ الأجزاء في المركّبات الاعتباريّة هل هي متعلّقة بأمرٍ استقلالي أو بأمرٍ انحلالي ضمني، أو تابعة لحكم العقل الحاكم بأنّ إتيان الكلّ لا يمكن إلاّ بإتيان ما يتوقّف عليه من الأجزاء، أو لم يكن شيئاً من المذكورات، بل يكون أمر المتعلّق هو عين الأمر المتعلّق بالمركّب؛ يعني دعوة الأمر إلى إيجاد الأجزاء إنّما هو بعين دعوتها إلى الطبيعة والمركّب لا شيء آخر منحاز عنه ؟
فقد يستظهر من بعض كلمات القوم بكون الأجزاء مأموراً بها بأمرٍ انحلالي ضمني متولّدٍ من الأمر المتعلّق بالكلّ؛ يعني إذا قال المولى: (صلِّ) فإنّ أمره هذا ينحلّ إلى أوامر مثل اركع واسجد واقرء وتشهّد وسلّم وأمثال ذلك، فالأمر المتعلّق بالمركّب مشتملٌ على أوامر ضمنيّة انحلاليّة متعلّقة بالأجزاء، كما قد يستظهر من بعض كلمات آخرين بأنّ الأجزاء لا يكون واجباً إلاّ بحكم العقل، فلا تكون محطّاً للأمر أصلاً، بل الأمر متعلّق بالمركّب أوّلاً وبالذات بمعنى أنّ الأمر الشرعي ليس إلاّ نفس المركّب دون الأجزاء.
وأمّا القول بكون الأجزاء بنفسها متعلّقة للأمر الاستقلالي، بحيث تكون عشرة أجزاء مشتملة بعشرة أوامر مستقلّة بمثوبة وعقوبة مستقلّة لكلّ أمرٍ غير ما للآخر، حتّى يصير الأوامر في المركّب المشتمل على عشرة أجزاء بأحد عشر عدد من الأمر بضميمة الأمر المركّب مع العشرة للأجزاء، فهذا ممّا لا يصدر عن من له أدنى تأمّل وتعقّل فضلاً عن الفاضل والعلاّمة.