97/01/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الاستقلالي
كما لا إشكال في جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الاستقلالي في الشبهة الوجوبيّة، لأنّ الشكّ في الزائد ـ وهو الدرهمان في مثل الدَّين ـ يعدّ شكّاً في التكليف الزائد، فالمجرى هو البراءة.
وتوهّم: كون المورد هو الاشتغال لكونه طرفاً للعلم الإجمالي بوجود الدَّين عليه بأحدهما.
مدفوعٌ: بأنـّه علمٌ إجمالي بدوي حيث ينحلّ علمه الإجمالي بالدقّة إلىقضيّتين:
إحداهما : قضيّة متيقّنة وجوبيّة تفصيليّة ، وهو وجوب ردّ درهمٍ عليه على كلّ تقدير.
والثانية: قضيّة مشكوكة بدويّة، وهي وجوب ردّ درهم آخر وهو مورد للبراءة لكونه شكّاً بدويّاً، بلا فرقٍ بين كون الشبهة حكميّة أو موضوعيّة.
كما أنّ الظاهر جريان البراءة في الأقلّ والأكثر الاستقلالي في الشبهة التحريميّة، إلاّ أنّ وضع الشبهة هنا عكس ما في الشبهة الوجوبيّة، حيث أنّ الأكثر هنا مقطوع الحرمة، بخلاف الأقلّ حيث أنـّه مشكوك بعكس عِدله، إذ الأكثر هناك مشكوك الوجوب والأقلّ مقطوعه، ويمكن أن تمثّل لذلك بمثل الغناء وتصوير ذوات الأرواح، فلو تردّد في أنّ الحرام هو مطلق ترجيع الصوت، أو بقيد كونه مطرباً، أو بأنّ الحرام مطلق التصوير تامّة كانت أو ناقصة أو خصوص التامّة؟ فإنّ الأقوى جريان البراءة عن الحرمة في الأقلّ مطلقاً؛ أي سواء كانت الشبهة حكميّة أو موضوعيّة، وسواء تردّد الأقلّ والأكثر في نفس متعلّق التكليف أو في موضوعه؛ لأنّ الشكّ فيه يكون شكّاً في أصل التكليف، ونحن لا نفرّق فيه بين وجوبه وتحريمه كما عليه الأكثر.
قال المحقّق النائيني قدسسره في فوائده: (والذي خالف في جريان البراءة في الشبهات الوجوبيّة ينبغي أن لايقول بجريانها في الشبهاتالتحريميّهأيضاً،لاتّحاد ملاك النزاع في المقامين، ولكن الأكثر لم يتعرّضوا لحكم الشبهات التحريميّة)[1] .
وقد اعترض عليه المحقّق العراقي في حاشيته بقوله:
(أقول: لا يخفى أنّ عصيان الحرام المركّب لا يكاد يتحقّق إلاّ بإيجاد مجموع الأجزاء، فالعقل يُلزم ترك واحدٍ منها، ولو كان آخر وجودها، فمع الشكّ في دخل شيء آخر يمكن كونه آخر الوجودات، فمع تركه يجتزئ به العقل من جهة شكّه في حرمة البقيّة، وهذا بخلاف الواجب المركّب، فإنّ ترك أوّل وجودٍ منه يوجبُ عصيانه، فالقائل بالاحتياط فيه له أن يدّعي بأنّ الامتثال بوجوب الأقلّ يقتضي تحصيل الفراغ عنه ولا يحصل إلاّ بالإتيان بالأكثر، وهذا بخلاف الحرمة فإنّ الاشتغال بالحرام لا يقتضي إلاّ الفراغ عن المجموع، ومع الشكّ في دخل شيء آخر يشكّ في الاشتغال بالأقلّ ، وحينئذٍ كيف للقائل بالاحتياط في الواجبات أن يقول به في المحرّمات ؟ ولابد له من بيان وافٍ بما اُفيد لكي نفهم مقصوده)، انتهى كلامه[2] .